الأحد، 3 مايو 2015

شهادات استشراقية أنصفت الحضارة الإسلامية

نستقرئ مما اعترف به المنصفون من المستشرقين أن الحضارة الإسلامية كانت هي صاحبة الفضل في إرساء الحجر الأساس للحضارة الأوربية الحديثة؛ حيث أسهمت بكنوزها في الطب والكيمياء والرياضيات والفيزياء في الإسراع بقدوم عصر النهضة وما صحبه من إحياء للعلوم المختلفة. فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربًا لتخوم الصين شرقًا كانت أوربا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في ظلام حضاري وجهل، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على الغرب وتطرق أبوابه. فنهل منها معارفه، وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية.
فلم تَخلُ أوربا من مؤرخين أبصروا ما للمسلمين من فضل في الحضارة الإنسانية على الحضارة الأوربية؛ فألفوا كتبًا ودراسات منصفة تشيد بفضل المسلمين الذي لا يمكن إنكاره. فقد نذكر نفرًا منهم درسوا هذه الحضارة دراسة وافية وأبدوا إعجابهم بها.
فمثلاً يقول "توماس أرنولد": "كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتُبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى".
ويقول "جورج سارتون" في كتابه (مقدمة في تاريخ العلم): "إنّ الجانب الأكبر من مهام الفكر الإنساني اضطلع به المسلمون؛ فـ"الفارابي" أعظم الفلاسفة، و"المسعودي" أعظم الجغرافيين، و"الطبري" أعظم المؤرخين".
كذلك يُبدي "تومبسون" إعجابه بالعلوم الإسلامية فيقول: "إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية، وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك". ويقول في مكان آخر: "إن ولادة العلم في الغرب ربما كان أمجد قسم وأعظم إنجاز في تاريخ المكتبات الإسلامية".
هذا، وقد أبدى الباحث اليهودي "فرانز روزانتال" إعجابه الشديد ودهشته البالغة لسموّ الحضارة الإسلامية وسرعة تشكلها، فيقول: "إن ترعرع هذه الحضارة هو موضوع مثير ومن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ؛ ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل وتكوُّن هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء وتطور الحضارة، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين، ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة؛ لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جدًّا، بحيث يمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ".
وقد أشاد أحد الباحثين وهو "روبرت بريفولت" بالحضارة الإسلامية فقال: "إن القوة التي غيرت وضع العالم المادي كانت من نتاج الصلة الوثيقة بين الفلَكيين والكيميائيين والمدارس الطبية. وكانت هذه الصلة أثرًا من آثار البلاد الإسلامية والحضارة العربية. إن معظم النشاط الأوربي في مجال العلوم الطبيعية إلى القرن الخامس عشر الميلادي كان مستفادًا من علوم العرب ومعارفهم، وإني قد فصلت الكلام في الدور الذي لعبته العربية في اليقظة الأوربية؛ لأن الكذب والافتراء كانا قد كثرا في العصر الحاضر، وكان التفصيل لا بد منه للقضاء عليهما".
ويقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري): "لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة".
ويقول رينيه جيبون: "لم يدرك كثير من الغربيين قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية، ولا فقهوا حقيقة ما أخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية".
ويذكر "هينولد" أن ما قام على التجربة والترصد هو أرفع درجة في العلوم، وأن المسلمين ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء. فقد قام منهاج المسلمين على التجربة والترصد، وكانوا أول من أدرك أهمية المنهاج في العالم، وظلّوا عاملين به وحدهم زمنًا طويلاً.
ويقول "دُولنبر" في كتاب (تاريخ الفلك): "لقد منَح اعتمادُ العرب على التجربة مؤلفاتِهم دقة وإبداعًا، ولم يبتعد العرب عن الإبداع إلا في الفلسفة التي كان يتعذر قيامها على التجربة". ويستطرد قائلاً: "ومن مباحثنا في أعمال العرب العلمية أنهم أنجزوا في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الأغارقة في زمن أطول من ذلك كثيرًا، وكان تراث اليونان قد انتقل إلى البيزنطيين الذين عادوا لا يستفيدون منه زمنًا طويلاً، ولما آل إلى العرب حوَّلوه إلى غير ما كان عليه، فتلقّاه ورثتهم (يقصد الأوربيين حديثًا) وحوَّلوه مخلوقًا آخر".
ويقول مسيو ليبري: "لو لم يظهر المسلمون على مسرح التاريخ لتأخرت نَهضة أوربا الحديثة عدة قرون". ولقد أشار أيضًا إلى هذا المعنى المؤرخُ الفرنسيُّ الشهير "سديو" في تاريخه الكبير، الذي ألفه في عشرين سنة؛ بحثًا عن تاريخ المسلمين، وعظيم حضارتهم، ونتاجهم العلمي الهائل، فقال: "لقد استطاع المسلمون أن ينشروا العلوم والمعارف والرقيَّ والتمدُّن في المشرق والمغرب، حين كان الأوربيون إذ ذاك في ظلمات جهل القرون الوسطى..."، إلى أن يقول: "ولقد كان العرب والمسلمون -بما قاموا به من ابتكارات علمية- ممن أرْسَوا أركان الحضارة والمعارف، ناهيك عما لهم من إنتاج، وجهود علمية، في ميادين علوم الطب، والفلك، والتاريخ الطبيعي والكيمياء والصيدَلَة وعلوم النبات والاقتصاد الزراعي وغير ذلك من أنواع العلوم التي ورِثناها نحن الأوربيين عنهم. وبحقٍّ كانوا هم معلمينا والأساتذة لنا".
ويذكر العلامة سديو أيضًا: "أن المسلمين سبقوا كيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِي وفي دوَران الأرض. وفي كتبهم من النصوص ما تعتقد به أن نفوسهم حدثتهم ببعض اكتشافات العلم الحديث المهمة".
جوستاف لوبون هذا، ولم ينسَ فضلاء علماء الغرب أن يعترفوا بهذه الحقيقة، ونستقي من كتاب "حضارة العرب" لـ"جوستاف لوبون" حيث يقول: "وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم، ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدّنُوا أوربا مادة وعقلاً وأخلاقًا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الإبداع الفني".
ويستطرد جوستاف لوبون قائلاً: "ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهُما مدينان لهم في تمدّنِهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة، وفتحوا لأوربا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون. فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوربا خمسة أو ستة قرون. فعَلى العالم أن يعترف للعرب والمسلمين بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة".
ويذكر المستعرب الصيني "لي قوان فبين" وكيل وزارة الخارجية الصينية، وعضو مجمع الخالدين (اللغة العربية) بالقاهرة، وصاحب الدراسات العاشقة لتراث وحضارة العرب والمسلمين "أن الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض، وأنها قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها؛ لأنها حضارة إنسانية الطابع، عالمية الأداء، رفيعة القدر علميًّا وفكريًّا وثقافيًّا. وبعدما تعمّقتُ في الأدب العربي القديم والحديث ازْداد اقتناعي بأن الشرق يمتلك سحر الحضارة والأدب والثقافة، وأنه صاحبُ الكلمة المفكِّرة والعقلية المنظمة. إذن فالحضارة الإسلامية تحمل عوامل البقاء؛ لأنها عصيَّة على الهدم، لتوافر أركان التجدد والحيوية في نبضها المتدفق، وهي من أقوى حضارات الأرض قاطبة؛ لأنها تستوعب كل ما هو مفيد من الآخر وتصهَره في نفسها ليصبح من أبنائها، بخلاف الحضارة الغربية المعاصرة. كما أن الحضارة العربية الإسلامية تتسم بأنها عالمية الأداء والرسالة، إنسانية الطابع، جوهرها نقي ومتسامح".
ويقول الدكتور "خوسيه لويس بارسلو" أحد الباحثين الأسبان: "يجب أن نقرر الأهمية الحقيقية لتأثير العلوم الإسلامية، فهي من الناحية الموضوعية قد ساعدت على وجود المعايير الطبية الحالية". ويذكر من هذا المنطلق: "فقد أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعدُّ في الوقت الحاضر من أرْوع المدنيات في كل العصور، كذلك فإنه أيضًا قد جمع حضارة متينة متقدمة، وذلك إذا ما طرحنا جانبًا الاضمحلالَ الواضح للقوى السياسية، والتفكك الظاهر للدول الإسلامية، فإن الشخصية الجماعية للإسلام قد صمَدتْ أمام كافَّة أنواع التغيرات، ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنيةُ عامة والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تَخمُد. هذه هي روح الإسلام كما يجب أن يفهمها أولئك الذين يحاولون عن عمدٍ وسوء نية تشويه صورته".
وقد حان الوقت لنستذكر هذه الحقائق عن حضارتنا، آملين الإفادة منها لنهوضنا من جديد.
المصدر: مجلة حراء.

جهاد المرابطين في الأندلس

حاول المرابطون بعد دخولهم الأندلس تحرير الأراضي الأندلسية، التي أُخذت من المسلمين على مدار السنوات السابقة؛ فحاربوا في أكثر من جبهة، حتى اقتربت حدود دولة المرابطين من فرنسا[1]. كما حاولوا كثيرًا تحرير طليطلة، (وكانت كما ذكرنا من قبلُ أنَّها من أكثر وأشدِّ مدن الأندلس حصانة على الإطلاق)؛ لكنهم فشلوا في هذا الأمر، وإن كانوا قد أخذوا معظم القرى والمدن التي حولها.

معركة أقليش

بعد موت يوسف بن تاشفين بعام واحد، وفي سنة (501 هـ=1107م) وبعد ما يقرب من اثنتين وعشرين سنة من الزلاقة، تدور واحدة من أضخم المواقع بين المسلمين وبين النصارى، وهي التي سُمِّيَت في التاريخ بموقعة أقليش، وقد تولَّى القيادة فيها على المسلمين تميم بن يوسف بن تاشفين، وكان هذا في عهد علي بن يوسف بن تاشفين الذي تولى دولة المرابطين خلفًا لأبيه، وتولَّى القيادة على الصليبيين سانشو بن ألفونسو السادس، وانتصر المسلمون -أيضًا- انتصارًا ساحقًا في هذه الموقعة، وقُتل من النصارى ثلاثة وعشرون ألفًا من بينهم سانشو بن ألفونسو وقائد جيش النصارى[2]، وقيل عن هذه المعركة بأنها الزلاقة الثانية[3].
وسانشو هذا هو ابن ألفونسو السادس من زوجته التي كانت قبل ذلك جارية –واسمها زائدة- أعجبت المأمون بن المعتمد بن عباد الذي كان واليًا على قرطبة، فلما انهزم المأمون وفتح المرابطون قرطبة فرَّت هي ومعها ولداها –حفيدا المعتمد بن عباد- إلى ألفونسو فتنصرت وتزوجها، وأنجب منها ولده سانشو هذا، فهذه عاقبة الطغاة المستبدين!
كان سانشو في الحادية عشرة من عمره، وأرسله أبوه ألفونسو لإثارة حماسة الجند، بعدما أوهنته الشيخوخة ولم يعد قادرًا على قيادة الجيش بنفسه؛ إذ كان قد بلغ الثمانين في ذلك الوقت.

فتح جزر البليار

وتوالت انتصاراتُ المسلمين بعد هذه المعركة؛ ففي عام (509هـ=1115م) استطاع المسلمون أن يفتحوا جزر البليار، تلك التي كانت قد سقطت من جديد في عهد ملوك الطوائف، وقد أصبح المسلمون يُسيطرون على جزء كبير من أراضي الأندلس تحت اسم دولة المرابطين[4].

سياسة المرابطين في الأندلس

ولقد مرَّت سياسة المرابطين في الأندلس بمراحل ثلاث:
1 - مرحلة التدخُّل من أجل الجهاد وإنقاذ المسلمين، وقد انتهت بانسحاب المرابطين بمجرد انتصار الزلاقة.
2 - مرحلة الحذر من ملوك الطوائف، بعد أن ظلَّ وضعهم وضع التنافر والتحاسد والتباغض بينهم، ولم يُفَكِّرُوا في الاندماج في دولة واحدة، بل فَضَّل بعضهم التقرُّب إلى الأعداء للكيد بالآخرين.
3 - مرحلة ضمِّ الأندلس إلى المغرب؛ فوضعوا حدًّا لمهزلة ملوك الطوائف[5].

<a >مصير ألفونسو السادس

جهاد المرابطين في الأندلسحزن ألفونسو على وحيده سانشو حزنًا شديدًا، حتى مات بعدها بعشرين يومًا[6]، وذلك في 29 يونيه سنة 1109م (ذي الحجة من عام اثنين وخمسمائة[7])، فحزن القشتاليون قاطبة لوفاته، وقد أسس ألفونسو خلال أربعة وأربعين عامًا من حكم قوي مستنير مجد قشتالة إلى قرون، وكان يلقب بـ «نور إسبانيا ودرعها»، وبلغت قشتالة في عهده من القوة ما لم توهنه بعدئذٍ حرب أهلية ولا تقسيم[8].

[1] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/54، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص160.
[2] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/50، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص160.
[3] ابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث ص253.
[4] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص162.
[5] شوقي أبو خليل: الزلاقة، ص72، والصلابي: دولة المرابطين، ص136، 137.
[6] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص159.
[7] ابن عذاري: البيان المغرب، 4/50.
[8] يوسف أشياخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين 1/142.
.
موقع قصة الإسلام

قصة زائدة الأندلسية

هذه قصة أسطورة باطلة تناقلتها كتب التاريخ الصليبية قديماً وحديثاً ونسجوا حولها الكثير من الأباطيل والأكاذيب التي تظهر المسلمين في صورة من باعوا دينهم وعرضهم من أجل الدنيا وخوفاً من سيف الصليب المقدس!!
وتقع أحداث هذه الأسطورة الكاذبة في أرض الأندلس المفقود في فترة هي الأسوأ في تاريخ تلك البقعة الغالية من جسد الأمة الإسلامية وهو فترة التفكك والانحلال المسماة بعصر ملوك الطوائف حيث تغلب كل من ليس أهلاً لحكم ولا رياسة على جزء من البلاد وأطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين وتلقب بألقاب الخلفاء مثل المعتضد والمعتمد والمتوكل وغيرهم وانقسم الأندلس لعدة ممالك متناحرة فيما بينهم في حين كانت أسبانيا الصليبية قد فاقت من غفلتها وأحكمت سيطرتها على شمال البلاد وأخذت تهدد المسلمين بقوة واستطاع ألفونسو السادس أن يحتل مدينة طليطلة وكان ذلك نذير خطر لباقي ملوك الطوائف فأرسلوا لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين أمير المرابطين في المغرب فجاء بجيوشه الجرارة بدافع الحمية الإسلامية وحباً في نصرة الدين وانتصر على الصليبيين في موقعة الزلاقة الشهيرة في 12 رجب 479 هـ وانكسر الصليبيون وخفت شرهم وبدلاً من أن يشكر ملوك الطوائف ليوسف صنيعه خافوا منه وتوجسوا منه شراً أن يأخذ منهم بلادهم وبعد أن كسر الصليبيين واستبان له عدم صلاحية هؤلاء الملوك لذلك , وبالفعل أخذ ملوك الطوائف في التحالف مع ألفونسو الصليبي للوقوف جبهة واحدة ضد الخطر المرابطي القادم من المغرب .
وكان أكبر ملوك الطوائف هو المعتمد بن عباد ملك إشبيلية وقد عقد حلفاً مع ألفونسو الصليبي قدم فيه المعتمد بن عباد ابنته البارعة الجمال 'زائدة' لتكون جارية أو زوجة لألفونسو الصليبي وقد أثار فضيحة كبيرة في الأندلس واتهم ابن عباد بالتفريط في دينه وعرضه .
إلى هناك تنتهي الأسطورة التي تناقلتها كتب التاريخ الصليبية جيلاً بعد جيل كأنها حقيقة لا ريب فيها ويجعلها دليلاً على خذلان المسلمين وانحطاطهم .
أدلة البطلان :
1- إن مما لا يقبله عقل سليم أو حتى سقيم في عصرنا هذا وليس من ألف سنة مضت أن يرضى رجل مسلم فضلاً عن أن يكون ملكاً كبيراً لدولة كبيرة كالمعتمد بن عباد مهما كان انحلاله وجوره أن يزوج ابنته من أمير نصراني صليبي أو يقدمها له جارية .
2- كانت الظروف السياسية والاضطرابات الحادثة على الساحة تمنع المعتمد حتى إن أراد أن يفعل تلك الفعلة الشنعاء من الإقدام عليها لأن خصومه في الداخل والخارج كانوا يسلقونه بألسنة حداد من أجل استهتاره وتهاونه الديني ولم يكن من المعقول أن يقدم على هذه الفعلة الشنعاء ليقدم بذلك إلى خصومه سلاحاً جديداً يضعونه به في صف المارقين والخوارج على الدين .
3- أن المعتمد لم يكن عنده أصلاً ابنة تسمى زائدة وكانت بناته معظمهم صغار السن وقت هذه الأحداث.
4- اضطراب الروايات التاريخية من حيث هل هي زوجة أم خطبة ؟ وهل تمت هذه الصفقة قبل عزم يوسف بن ناشفين على إزالة ملوك الطوائف أم بعدها ؟ وما هو دور ابن عمار وزير المعتمد في الفضية خاصة أن المعتمد قد قتل ابن عمار بيديه لخروجه عليه كما هو ثابت تاريخياً .
التفسير الحقيقي لتلك الأسطورة :
بعد البحث والتدقيق في كتب المؤرخين المسلمين وهم الثقات عند النزاع أن زائدة الأندلسية هذه لم تكن ابنة المعتمد بن عباد بل كانت زوجة ابنة الفتح بن المعتمد الملقب بالمأمون حاكم قرطبة وعندما شعر المأمون بهجوم المرابطين على قرطبة لإزالة ملك الطوائف الظالم أرسل زوجته 'زائدة' وأولاده وحشمه وأمواله إلى حصن 'المدور' على حدود مملكة قشتالة الصليبية وملكها ألفونسو السادس وعندما فتح المرابطون قرطبة وقتلوا حاكمها المأمون خافت زائدة على نفسها وأموالها وأولادها من هجوم المرابطين وهداها شيطانها أن تلوذ بحماية ألفونسو الصليبي المشهور بكلفه بالنساء لأنه لم يكن ينجب ولا ذرية له فانتهز تلك الفرصة وراودها عن نفسها فتنصرت المجرمة وتنصر أولادها وتسمت باسم 'إيايبل' وتزوجها ألفونسو وبالفعل أنجبت له ولده الوحيد 'سانشو' وشاء الله عز وجل أن تموت تلك الكافرة عند ولادتها للطفل 'سانشو' فكرمها الصليبيون ودفنوها في دير ساهاجون واعتبروها بمنزلة القديسيين , ولقد أورد المؤرخ ابن عذاري في 'البيان المغرب' أخبار تلك الحادثة وصرح فيها أن زائدة تلك هي زوجة الفتح بن عباد وليست بنت المعتمد بن عباد ولأن بالصليبيين لا يرضون بالحرب بالسيف والسهام حتى يشنوا حرب أباطيل وأكاذيب عبر التاريخ الذي عبث به كثيراً .
.
مفكرة الإسلام

إسلام القس الفلبيني عيسى بياجو

اسمه عيسى عبد الله بياجو، عمره أربعون سنة، بلده الفلبين، متزوج وله ابن كان قسًّا كاثوليكيًّا ثم اهتدى إلى النور، وشرح الله صدره للإسلام، كان ذلك من أربع عشرة سنة، وهو الآن قد جاء للعمل بالدوحة.. فسعينا إلى الالتقاء به.
سألناه عن حياته قبل الإسلام، فقال: اسمي الأصلي هو كريسانتو بياجو، درست في المعهد اللاهوتي، وحصلت على درجة الليسانس في اللاهوت، وعملت كقس كاثوليكي.
سمعت عن المسلمين كمجموعة من الناس، ولم تكن عندي فكرة عما يدينون به. وفي ذلك الحين كنت لا أطيق حتى مجرد سماع اسمهم؛ نظرًا للدعاية العالمية التي تُوجَّه ضدهم. وحتى المسلمون المنتمون إلى جبهة تحرير مورو في الفلبين كان يُعطى الإيحاء بأنهم قراصنة وهمجيون، يسهل عليهم العدوان وسفك الدماء، هذا الشعور يشاركني فيه معظم نصارى الفلبين الذين يمثلون 90% من السكان.
جاء يوم حضرت فيه محاضرة ألقاها منصِّر أمريكي اسمه بيتر جوينج عن الإسلام، فأخذتني الرغبة في التعرف على هذا الدين، وانطلقت لأقرأ بعض الرسائل عن أركان الإيمان، وأركان الإسلام، وعن قصص الأنبياء، فدهشت من أن الإسلام يؤمن بالأنبياء ومنهم المسيح .
كانت مشكلتي نقص الكتب التي تتكلم عن الإسلام وعن القرآن، ولكني لم أيئس؛ لأنني كنت أستحضر من كلام المبشر الأمريكي قوله: إن التوراة فيها أخطاء؛ مما أدخل الشك في نفسي، فبدأت أكوِّن فكرتي عن الدين الحق الذي أؤمن به. ولم أجد الإجابات عن الأسئلة التي جالت آنئذٍ في صدري حول الإنجيل، وكلما حللت مشكلة أو أجبت عن سؤال، ظهرت مشاكل كثيرة وأسئلة أكثر.
لجأت إلى تفريغ ذهني من كل فكرة مسبقة، ودعوت الله أن يهديني إلى الحق، وكان من المفارقات العجيبة أنني كقسيس كنت أعلِّم الناس ما لا أعتقده؛ فمثلاً لم أكن على الإطلاق مقتنعًا بفكرة الخطيئة الأصلية، والصلب، إذ كيف يحمِّل الله إنسانًا ذنوب الآخرين؟! هذا ظلم، ولماذا لا يغفرها الله ابتداءً؟ وكيف يفعل الأب هذا بابنه؟ أليس هذا إيذاءً للأبناء بغير حق؟ وما الفرق بين هذا وبين ما يفعله الناس من إساءة معاملة الأطفال؟!
بدأت أبحث عن الوحي الحقيقي، فتأملت نص التوراة فلم أجد إلا كلامًا مليئًا بالأخطاء والتناقضات، لا ندري من كتبه ولا من جمعه؛ فأصل التوراة مفقود، وهناك أكثر من توراة.
اهتزت عقيدتي تمامًا، ولكني كنت أمارس عملي؛ لئلا أفقد مصدر دخلي وكل امتيازاتي. ومرت سنتان وأنا على هذا الحال حتى جاء يوم لقيت فيه جماعة من المسلمين يوزعون كتيبات عن الإسلام، فأخذت منهم واحدًا قرأته بشغف، ثم سعيت إلى مناقشة تلك الجماعة التي كانت توزع تلك الكتيبات، فقد كنت أحب الجدال والمناظرة، وهذا ليس غريبًا؛ ففي الفلبين جماعات نصرانية متصارعة يقارب عددها 20 ألف جماعة، وكثيرًا ما كنت أمارس الجدال والمناظرة مع بعض تلك الجماعات، فلما جلست مع ذلك الفريق المسلم في إحدى الحدائق فوجئت بأن الذي يحاورني كان قسيسًا كبيرًا دخل الإسلام، أخذت أنصت لكلامه: عن النظام السياسي في الإسلام، فأعجبني؛ لأنني كنت أحب المساواة التي لم أجدها في النظم البشرية، ولكني حينئذٍ وجدتها في دينٍ مبنيٍّ على كلام الله ووحيه إلى خلقه.
سألت المتحدث عن سبب اعتناقه للإسلام، ثم عن الفرق بين القرآن والإنجيل، فأعطاني كتابًا لرجل اسمه أحمد ديدات، قرأت الكتاب فوجدت فيه الإجابة على كل تساؤلاتي حول الإنجيل، واقتنعت تمامًا، ثم أخذت أقابل ذلك الرجل كل يوم جمعة بعد الظهر لأسأله عن كل شيء، وكان من فضولي أن سألته عن محمد ، وهل هو من نسل إسماعيل؟ فقال: إن في التوراة الموجودة حاليًا ذكر محمد ، وأعطاني مقاطع كثيرة من التوراة في هذا الصدد.
أخذت أبحث لأقتنع، وكان من دواعي اطمئناني أن إيماني بعيسى يجعلني أقبل الإيمان بمحمد ، واستمر بحثي شهرين، شعرت بعدهما ببعض التردد؛ لخوفي على مستقبلي لأنني أعلم يقينًا أنني لو أسلمت فسأخسر كل شيء: المال، ودرجتي العلمية، والكنيسة، وسأخسر والديّ وإخوتي، كان الشيء الذي هزني هو عجزي عن تدريس الناس العقيدة النصرانية؛ إذ أصبحت باردًا جدًّا وغير مقتنع بما أقول، تركت قراءة التوراة حتى لاحظ والداي ذلك.
ثم لقيت صديقي المسلم، وسألته عن الصلاة، فقال لي: الشهادة أولاً، فرفعت إصبعي بتلقائية وقلت خلفه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولم أكن أعرف معنى هذا القول حتى شرحه هو لي بعد ذلك. وقلت: وأشهد أن عيسى رسول الله. كان في المجلس مسلمون كثيرون من جنسيات مختلفة، فقام الجميع وعانقوني وهنئوني، فقلت في نفسي: كل هؤلاء مسلمون رغم اختلاف جنسياتهم وألوانهم، لقد جمعهم الإسلام بلا تمييز، فلماذا التمييز في النصرانية حتى تجد جماعات نصرانية للبيض وجماعات نصرانية للسود؟! فرجعت إلى بيتي ونطقت بالشهادة باللغة الإنجليزية بيني وبين الله تعالى، فليس يهمني الناس.
بقيت على إسلامي من غير أن يعلم أحد من معارفي، وكنت أدخل الكنيسة لمدة ستة أسابيع؛ لأنزع بعد ذلك فتيل القنبلة وأعلن إسلامي، فغضب والداي أشد الغضب، وجاء الكاهن الأكبر إلى المنزل ليناقشني، فعرضت عليه ما عندي من تناقضات الإنجيل، فكلمني عن بعض الشبهات التي تثار حول الإسلام، فقلت له: أقنعني أولاً أن محمدًا ليس رسولاً من عند الله. فوعدني، ولكن لم يرجع، وسمعت بعد ذلك أن الكنيسة كلها تصلي من أجلي لأرجع إلى عقلي، وكأنني صرت مجنونًا.
بدأت بعد ذلك أثبِّت قدمي في الإسلام -دراسة وتعلمًا- وكنت ألقي بعد ذلك برامج إسلامية في التلفزيون والإذاعة المحلية التي تمولها الجهات الإسلامية، ثم تزوجت امرأة مسلمة رزقني الله منها عبد الصمد ابني الوحيد (11 سنة). واعتنق الإسلام بعد ذلك أبي وأمي وأختي وزوجها وابن أخي وبنت أختي. وأحمدُ الله على أني كنت سبب هدايتهم إلى الصراط المستقيم.
بعد هذه القصة المثيرة لإسلام عيسى بياجو سألناه عن حال الدعوة في الفلبين، فقال: يدخل في الإسلام كل شهر أكثر من أربعمائة من نصارى الفلبين حسب السجلات الرسمية، أما العدد الحقيقي فالمرجح أنه أكثر من ذلك، ومعظم أهل الفلبين مسيحيون بالاسم فقط ولا يجدون من يدعوهم إلى الإسلام، ومنهم من يقتنع بالإسلام، ولكن يعوقه عن اعتناقه عامل الخوف من المستقبل؛ لأنه سيفقد الأسرة وسيفقد العمل، فالناس هناك لا تقبل توظيف من ترك النصرانية.
سألناه عن خير وسيلة للدعوة إلى الإسلام، فقال: إنها المعاملة الطيبة بخلق الإسلام؛ فكثير ممن أسلموا كان دافعهم إلى الاقتراب من عقيدة التوحيد معاملة المسلمين الحسنة لهم، كأن يكون صاحب العمل مسلمًا حسن المعاملة، أو زميلاً لمسلم حسن الصحبة ودمث الأخلاق، وكثير ممن أسلموا في الفلبين لم يسلموا إلا بعد أن عادوا إلى بلادهم بعد العمل في بلد إسلامي؛ إذ أحسوا بالفرق عندما فقدوا المناخ الإسلامي، فتبخرت كل أوهامهم وشكوكهم حول الإسلام، فأعلنوا إسلامهم بعيدًا عن كل ضغط أو تأثير؛ ولذا أوصي بالدعوة الحسنة، وبعدم استعجال النتيجة؛ فالبذرة لا تنمو ما بين يوم وليلة.
وقال الأخ عيسى: إن بعض من أسلموا كان سبب إسلامهم تأثرهم برؤية منظر المسلمين وهم يصلّون؛ لأنه منظر عجيب حقًّا.
سألناه: ماذا عن دعوة المسيحي المثقف ثقافة دينية؟ هل يكفي معه هذا وحده؟ فقال: مثل هذا نأخذ بيده، وندعوه إلى مقارنة أسفار الكتاب المقدس، ودراسة مقارنة الأديان، فتلك الوسائل أفضل لإقناعه.
ثم كان السؤال الأخير عن العقبات التي تحول دون دخول الناس في الإسلام، فقال: أول ما يصد الناس هو الفكرة الخاطئة التي تعشش في أذهانهم عن الإسلام، ثم هناك سلوكيات كثير من المسلمين، الذين -بأقوالهم وأفعالهم- يعطون صورة سيئة عن الإسلام، ثم فتوى بعض المسلمين من غير علم، وتأتي أخيرًا الشبهات التي تثار حول الإسلام من كونه يدعو إلى الإرهاب، ويسيء معاملة المرأة، فيدعو الرجل إلى طلاقها، وإلى الزواج بغيرها، وأنه يحرمها من حقوقها ويقهرها ولا يعطيها حريتها.
ولا شك أن هذه الشبهات كلها منحازة وخاطئة، ولكن -للأسف- تؤلف فيها كتب، وتروَّج بين غير المسلمين لتصدهم عن الإسلام، وهنا يأتي دورنا نحن الدعاة المسلمين لتقديم الصورة المشرقة الحقيقية، ونفض الغبار وهدم السور العالي الذي أقامه الإعلام الهدّام؛ ليحول بين الناس وبين التعرف الحر على دين الله رب العالمين.
.
المصدر: موقع المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بأبها.
 موقع قصة الإسلام

شوقي فوتاكي .. الطبيب الياباني وقصة إسلامه

فوتاكي Votaki هو طبيب ياباني، اعتنق الإسلام وعمره سبعة وستين عامًا، ذو شخصية اجتماعية محببة وجذابة، يؤثر في كل من له صلة به، أما ديانته قبل الإسلام فكانت البوذية، وكان مديرًا لمستشفى كبير في قلب مدينة طوكيو (عاصمة اليابان)، وكانت هذه المستشفى عبارة عن شركة مساهمة يملكها عشرة آلاف شخص، ولقد أعلن الدكتور فوتاكي منذ إسلامه أنه سيعمل كل ما في وسعه لإدخال العشرة آلاف مساهم في حظيرة الإسلام.
وكان الدكتور فوتاكي -إضافةً إلى عمله مديرًا لمستشفى- رئيسًا لتحرير مجلة شهرية يابانية تُدعى (سيكامي جيب) في عام 1954م، وكان مهتمًّا بقضية القنبلة الذرية التي أُلقت على اليابان وتأثيرها، وحاول جمع التبرعات لذلك، ولما فشل في ذلك انتزع ستين مليون ينّ ياباني من عشر شركات يابانية؛ وذلك بعد تهديدها بنشر أخبار سرية تؤثر على مصالحها، وبعد محاكمات طويلة حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، كما سحبت رخصته الطبية.
قصة إسلام شوقي فوتاكي
كانت بدايته مع الإسلام عندما دخل السجن، وبدأ يقرأ عدّة كتب فلسفية وسياسية وروحية، فبدأت فكرة الوحدانية تتفاعل في نفسه، وتأصلت هذه الفكرة لديه عندما اتصل بعدد من الشخصيات الإسلامية، من بينهم رجل مسلم يُدعى (أبو بكر موري موتو) الرئيس السابق لجمعية مسلمي اليابان، الذي كان يقول له: "كلما زاد عدد المسلمين في العالم انتهت مشكلة المستضعفين في الأرض؛ لأنّ الإسلام دين محبة وإخاء".

بعد أن وجد فوتاكي طريق الهداية في الإسلام، قرَّر هو وابنه وصديق آخر اعتناق الإسلام، وأعلنوا إسلامهم في المركز الإسلامي بطوكيو(1).
إسهامات شوقي فوتاكي
يعتبر إسلام شوقي فوتاكي إيذانًا بإسلام اليابان كلها! ولكن لماذا يعتبر إسلامه تحولاً كبيرًا في اليابان؟

لأنَّ هذا الرجل أعلن فور إسلامه عزمه على نشر الإسلام في اليابان كلها؛ فبعد إسلامه وفي شهر مارس 1975م جاء على رأس ثمانية وستين شخصًا ليعلنوا إسلامهم في مسجد طوكيو، وأيضًا قام بإنشاء (جمعية الأخوة الإسلامية).
إضافةً إلى أنه في 4/ 4/ 1975م جاء مسجد طوكيو على رأس مائتي شخص ياباني أعلنوا إسلامهم، وهكذا أخذ الدكتور شوقي فوتاكي يقود إخوانه اليابانيين للدخول في دين الله أفواجًا، حتى بلغ عدد أعضاء جمعية الأخوة الإسلامية التي يرأسها من هؤلاء المسلمين الجدد ما يقارب العشرين ألف مسلم ياباني، وكان ذلك في أقل من عام واحد.
لذلك يعتبر إسلام شوقي فوتاكي نقطة تحول في تاريخ اليابان، بل في تاريخ منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها.
غير أن هناك ظاهرة برزت بين أولئك الذين لا يجيدون اللغة العربية، ولا يعيشون في بلاد المسلمين، وهي بعض الشوائب من أثر الجاهلية؛ فلقد كان الدكتور شوقي فوتاكي يتساهل مع المسلمين الجدد من أفراد جمعيته الإسلامية في مسألة تحريم لحم الخنزير وشرب الخمور، ربما له بعض العذر في جهله، وربما كان يريد أن يأخذهم بالتدرج. ومن ثَمَّ فعلى الدول الإسلامية -وفي مقدمتها الدول العربية- أن تبعث بالدعاة لهذه البلاد(2).
المصدر: كتاب (عظماء أسلموا) للدكتور راغب السرجاني.

معاهدة جرجان ............................ د . راغب السرجاني موقع قصة الإسلام

توقفنا في المقال السابق عند بنود معاهدة جرجان وماذا فعل فيها سويد بن مقرن من تغيير ليسقط الدولة الفارسية إسقاطًا كاملاً، وكانت معاهدة جرجان سنة اثنتين وعشرين من الهجرة، ونصها:

"هذا كتاب من سويد بن مقرن لرزبان صول بن رزبان وإلى أهل جرجان أن لكم الذمة وعلينا المنعة، على أن عليكم من الجزاء في كل سنة قدر طاقتكم على كل حالم، ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عِوَضًا من جزائه، ولهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومِلَلِهم وشرائعهم، ولا يغيّر شيء من ذلك هو إليهم ما أدوا وأرشدوا ابن السبيل ونصحوا وقروا المسلمين -أي أكرموهم- ولم يبدُ منهم سَلٌّ لسيف، ولا غَلٌّ لمال، وعلى أن من سب مسلمًا بلغ جهده -أي عُوقِبَ- ومن ضربه حلَّ دمه".

وهذه هي معاهدة جرجان، وتختلف عن المعاهدات السابقة في قوله: "ومن استعنا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضًا من جزائه". وهي أول معاهدة من نوعها يقر فيها قائد المسلمين الفرس على ديانتهم المجوسية ولا يأخذ منهم جزية على أن يدافعوا عن البلد مع المسلمين، وكان ما يحدث قبل ذلك أن جيش المسلمين لم يكن يستعين بأهل البلد المفتوحة، بل يأخذ منهم الجزية مقابل أن يدافع المسلمون عن البلد، لكن هذه المرة عَرَض عليهم سيدنا سويد هذا العرض، فقبل أهل جرجان الدفاع عن البلد ضد أي هجوم خارجي، وهذا الهجوم سيكون -في الغالب- من الفرس نظيرَ إسقاط الجزية عنهم، وقد يجازيه المسلمون على هذا الدفاع الذي قام به.

انعكاسات التغيير في المعاهدات :

أولاً: توغل جيش المسلمين لمسافات كبيرة داخل الأراضي الفارسية، فما بين الري وقُومِس -مثلاً- ثلاثمائة وخمسون كيلو مترًا كما ذكرنا، وقد أصبح تعداد الجيش الإسلامي قليلاً بحيث لا يستطيع حماية كل المدن التي فتحها، فكان لا بد من توظيف جزء من الفرس في الدفاع عن هذه الأراضي نظير جزء من المال لضعف الدولة الإسلامية عن الدفاع عن هذه الأراضي.

ثانيًا: أراد سيدنا سويد بهذه المعاهدة أن يفرق الفرس إلى طائفتين: إحدى الطائفتين تدافع عن المسلمين، وتأخذ أجرها منهم؛ وطائفة أخرى تحارب المسلمين ولا تريد أن تقبل الصلح معهم، بل تهاجمهم. وهذه المعاهدة أحدثت تفككًا بين الفرس؛ فأصبح الفارسي يقاتل أخاه الفارسي دفاعًا عن "جرجان" لصالح المسلمين، فانقسم الفرس إلى فرقتين: فرقة تتسارع لتأخذ أماكن الدفاع إرضاءً للمسلمين، وتحصل على الأموال منهم أو تُسْقَط عنهم الجزية ويدافعوا عن الأرض، والفرقة التي أخذتها العزة أن تتصالح مع المسلمين وتحاربهم، فستحارب الفرس -أيضًا- لأن من بنود المعاهدة الدفاع عن جرجان ضد أي هجوم حتى ولو كان من الفرس.

ثالثًا: وهذا السبب في غاية الأهمية، وهو أنه طالما يشعر الفُرْسُ بالعداء فلن يتقبلوا الإسلام بنفس راضية؛ فالعدواة والكراهية من أهل الأرض لمن احتلهم هي الأصل في ذلك، وذلك يحول دون تقبلهم الأفكار الإسلامية، أما لو تحولت هذه العلاقة من علاقة عدو لعدو إلى علاقة صداقة أو تجارة أو علاقة يأخذ عليها أجرًا، فمع مرور الزمن تسقط هذه العداوة، وبالتالي يكون الجو أنسب للجيش الإسلامي لنشر الأفكار الإسلامية داخل الأراضي الفارسية.

وهذه المعاهدة التي عقدها سيدنا سويد بن مقرن، وما فكَّر فيه من نتائج لهذه المعاهدة، وما ذكرته كتب التاريخ آتت ثمارها بعد أشهر، فبعد أن علمت طبرستان بمعاهدة جرجان طلبت من المسلمين معاهدة على نهجها، أي على أن يشترك أهل طبرستان في الدفاع عنها نظير إسقاط الجزية وأخذ أجر من المال، ومعظم المعاهدات بعد ذلك كانت على ذلك النهج. ولما أرسل سويد بنود هذه المعاهدة إلى سيدنا عمر بن الخطاب استحسن ذلك الأمر، وهو دفاع الفرس عن الأراضي الفارسية لصالح المسلمين.

والمعاهدات مع اليهود في العصر الحديث صورة طبق الأصل من هذه المعاهدة، ولكن على العكس فالمسلمون أصبحوا مكان الفرس، واليهود أصبحوا مكان المسلمين، وكأن اليهود يقرءون كتب المسلمين ويستفيدون منها ويطبقونها عليهم، ونحن لا ننظر إلى تاريخنا، فقد قسموا البلاد الإسلامية الآن إلى أناس مسلمين يدافعون عن بلادهم، وآخرين يتسابقون ليأخذوا الأجر من اليهود وليأخذوا قطعة أرض كجرجان تاركين كل المملكة؛ لتكون لهم سلطة وحكومة تحت سلطان الاحتلال، وأصبح على الأخ المسلم الذي يريد قتال اليهود قتال أخيه الموالي لليهود والمتعاون معهم، كما نشأت صداقة بين هؤلاء واليهود، بعد أن كان اليهود أعداء أصبحوا أصدقاء، وبيننا وبينهم معاملات من تجارة وتبادل ثقافي وتبادل فني وتطبيع رياضي، وتسقط كل الحواجز وينتج عن ذلك أمران:

ذوبان الأفكار الإسلامية وانتشار الأفكار اليهودية، فكل الأفكار اليهودية الهدامة تأخذ طريقها في الانتشار في منتهى السهولة، بينما تنمحي الأفكار الإسلامية مع الوقت، ولن تقرأ في كتب التعليم أن اليهود أعداء، أو تدرس غزوة من غزوات النبي مع اليهود في كتب التاريخ أو التربية الإسلامية، فلا بُدَّ -عندهم- أن يخرج الجيل القادم وقد تربى على أن اليهود أصدقاء يأخذ منهم الأموال، ويدافع عن أرض المسلمين لصالح اليهود، ولا توجد بينه وبينهم كراهية أو عداوة.

ومهما حاولت أن تربي ابنك على عداوة اليهود لن تفلح؛ لأن الواقع كله يقول إنهم أصدقاء، وبعد سنوات معدودة حسب نشاط اليهود وكسل المسلمين تحدث عملية امتزاج بين الأفكار اليهودية والأفكار الإسلامية، وساعتها لن تجد فرقًا بين المسلمين واليهود.

والمسلمون يفعلون ذلك عن غفلة، أما اليهود فيفعلون ذلك عن نظر وتخطيط، فقد وصلوا إلى النظرة التي وصل إليها سيدنا سويد بن مقرن من قبلُ، وهؤلاء الفرس الذين قاموا بالمعاهدة مع سيدنا سويد بن مقرن إما أن تكون لديهم غفلة أو حب الرياسة وحب التملك لمنطقة جرجان وطبرستان، ولا يهمهم الدولة الفارسية التي تجمعهم، مع أن جرجان لا تساوي فيها شيئًا، ولكن حب التملك هو الذي جعلهم يدافعون عن هذه الأرض لصالح المسلمين ضد إخوانهم من الفرس.

ولكن كيف استفاد اليهود من تاريخ المسلمين؟ وكيف وقع المسلمون في أخطاء الفرس؟ أمر عجيب ولغز محيِّر، وهذا الأمر لا بد أن نستفيد منه لنعرف ما فُعِلَ بنا.

هذا هو نص معاهدة جرجان وطبرستان، وبعد ذلك ستأتي معاهدات شبيهة بهذه المعاهدة، تكررت في الحروب الفارسية.

وبعقد الصلح مع جرجان وطبرستان وتسليم الدولتين انتهت مهمة الجيش الثاني، وتمت مهمة سيدنا نعيم بن مقرن بفتح همذان والري كما خطط لها سيدنا عمر بن الخطاب تمامًا، وأيضًا تمت مهمة سيدنا سويد بن مقرن بفتح قُومِس وجرجان وطبرستان، وزاد على ذلك الشروط التي وضعها في المعاهدة مما كان لها الأثر الطيب على المسلمين، واستحسنها عمر بن الخطاب .

فتح أذربيجان :

كان سيدنا عمر قد وجه إلى أذربيجان جيشين: أحدهما بقيادة سيدنا بكير بن عبد الله والآخر بقيادة عتبة بن فرقد، ومنطقة أذربيجان من المناطق الواسعة وتقع غرب بحر قزوين، ومنطقة الباب في شمال منطقة أذربيجان، وأيضًا على بحر قزوين، وفوق منطقة الباب مملكة الترك وهي مملكة واسعة تقع في شمال الدولة الفارسية، وتصل إلى حدود الدولة الرومانية وعلى رأسها ملك يسمى خاقان، وليس بينها وبين الفرس حروب لمعاهدات كانت بينهما، ولو استطاع المسلمون فتح أذربيجان ومنطقة الباب لوصلوا إلى الحدود الشمالية للدولة الفارسية؛ لذا أرسل إليها سيدنا عمر بن الخطاب جيشين، وفي الوقت نفسه يعمل المسلمون في الوسط والجنوب، فكما ذكرنا من قبل أن الفتوحات كلها كانت تتم في وقت واحد.

وكالعادة يضع سيدنا عمر بن الخطاب خطة محكمة وهو في المدينة ليفتح منطقة الباب وأذربيجان، فيرسل جيش سيدنا بكير من الكوفة ويمر بحلوان ويتجه من حلوان إلى شرق أذربيجان، وفي الوقت نفسه يرسل جيشًا آخر على رأسه سيدنا عتبة بن فرقد من الكوفة ومرورًا بالموصل حتى يصل إلى أذربيجان من الغرب، فيؤدي ذلك إلى انقسام جيش أذربيجان المشهور بقوته إلى قسمين: نصفه في الشرق والنصف الآخر في الغرب، وبذلك يشتت الطرفين، وكان أول من ابتدع هذه الخطة الحربية سيدنا أبو بكر الصديق ، وذلك في بدايات فتوحات فارس لما أرسل سيدنا خالد بن الوليد من الجنوب وسيدنا عياض بن غنم من الشمال؛ ليدخلوا الحيرة من منطقتين مختلفتين، وبعد ذلك طبَّقها سيدنا خالد وسيدنا المثنى بن حارثة وسيدنا سعد بن أبي وقاص، وها هو سيدنا عمر بن الخطاب من المدينة يخطط لمثل هذه الخطة أكثر من مرة.

والجيوش الخمسة التي وجهها سيدنا عمر لفتح الدولة الفارسية يقودها خمسة من صحابة الرسول، وسيدنا بكير بن عبد الله كان صحابيًّا قبل بلوغه الحلم, وكانت له حادثة مشهورة مع النبي، فكان يدخل على نساء النبي قبل أن يبلغ الحلم، فلما بلغ الحلم ذهب إلى النبي، وقال له: إنني قد بلغت الحلم؛ حتى لا يدخل على نساء النبي، فأُعْجِبَ بصدقه ودعا له، وقال: "اللهم صَدِّقْ قوله، ولَقِّهِ الظَّفَرَ"؛ فظل طوال عمره صادقًا ومنتصرًا بدعوة النبي.

وقُتِلَ يهوديٌّ في المدينة فغضب سيدنا عمر لذلك غضبًا شديدًا، وقام وخطب في الناس وسأل عن قاتله، فقال بكير بن عبد الله: أنا قتلته. قال: لقد بُؤْتَ بدمه فأتني بالمخرج. فقال سيدنا بكير: لقد استخلفني أحد صحابة النبي على زوجته وهو خارج إلى الغزو، فذهبت يومًا أَمُرُّ أمام البيت، فوجدت هذا اليهودي يريد أن يعتدي عليها؛ فقاتلني وقاتلته، فقتلته. فصدقه سيدنا عمر بن الخطاب رغم أنه لم يأتِ بشهود بدعوة النبي، فهو يعلم أن النبي دعا له بأن يكون صادقًا؛ فهو لا يكذب. وكتب الشعراء في سيدنا بكير شعرًا كثيرًا في فروسيته التي لا مثيل لها في ذلك الوقت.

يتقدم سيدنا بكير بالجيش حتى يصل إلى مدينة جرميذان وهي مدينة كبيرة في شرق أذربيجان، وفيها إسفندياذ شقيق رستم، وكان لهما أخ ثالث في غرب أذربيجان، وقد قُتِلَ رستم في القادسية وما زال إخوته يحاربون الإسلام.

ويدخل سيدنا بكير في معركة شرسة مع القوات الفارسية في جرميذان، وكان الجيش الأذربيجاني مشهورًا بقوته، والقتال صعب على المسلمين في الجبال فهذه المنطقة كمنطقة نهاوند، إلا أن المسلمين صبروا على القتال، وأنزل الله نصره عليهم بعد عدة أيام، وتمكن سيدنا بكير من أَسْرِ إسفندياذ، فقال له إسفندياذ: الصلح أحب إليك أم الحرب؟ قال: بل الصلح (يبغي سيدنا بكير الصلح رغم انتصاره في المعركة؛ فالغرض الأساسي من الفتح هو نشر الإسلام والفكرة الإسلامية في هذه البلاد، وينتشر الإسلام بصورة أكبر إذا كان هناك نوع من الصلح والمعاهدات والجزية). فقال له: أمسكني عندك؛ فإن أهل أذربيجان إن لم أصالح عليهم أو أجيء إليهم لم يصالحوك.

ولقد هرب أهل أذربيجان إلى الجبال بعد الهزيمة، ومن الصعب أن يتعقبهم المسلمون فيها، وبدأ أهل أذربيجان في حرب من حروب العصابات، ولم يكن في شرق أذربيجان جيش منظم للفرس، ولكن كانت هناك فرق تهاجم المسلمين وينتصر عليهم المسلمون، فقال إسفندياذ لسيدنا بكير: ليس أمامك إلا أن تصالحني وأكون أنا على هذا الصلح (يتطلع ليكون رئيسًا على الأرض، ويدافع عنها لصالح المسلمين دون النظر إلى دولة الفرس التي نشأ فيها).

وفي الوقت نفسه كان جيش سيدنا عتبة بن فرقد قد تقدم غرب أذربيجان (وقد أسلم سيدنا عتبة قبل غزوة خيبر بقليل، أي في السنة السابعة من الهجرة، وكانت أول غزوة شارك فيها، ثم شهد مع النبي بعد ذلك باقي الغزوات).

ويدخل سيدنا عتبة بن فرقد بجيشه إلى غرب أذربيجان، والتقى في أردبيل مع شقيق رستم الثاني في موقعة شديدة، وينتصر سيدنا عتبة بن فرقد على جيش الفرس ويقتل أخا رستم الثاني.

ولما علم أهل أذربيجان بسقوط الجبهة الغربية لأذربيجان وبأسر قائد أذربيجان "إسفندياذ" وأنه ما زال حيًّا، ومن الممكن أن يعود لو صالحوا المسلمين، رجعوا من الجبال، ووافقوا على الجزية، وصالحوا المسلمين على نفس معاهدة جرجان، وهم الذين طلبوا الشرط بأن يدافعوا عن أرض أذربيجان ضد الهجوم الفارسي أو التركي أو الرومي لصالح المسلمين في نظير أن تُسْقَطَ عنهم الجزية، أو يأخذوا أجرًا من المسلمين، وهذه نتيجة سريعة جدًّا لمعاهدة جرجان التي لم يمضِ عليها إلا أشهر قليلة، وبذلك انتهت الحروب في أذربيجان.

وكان سيدنا بكير هو قائد الجيوش العامة في أذربيجان، وبعد أن تم الصلح أصبح سيدنا بكير هو أمير أذربيجان؛ فأرسل رسالة إلى سيدنا عمر بن الخطاب يقول فيها: أَرسِلْني إلى أرض من أراضي الجهاد. فهو ينأى بنفسه عن الراحة والدعة؛ لأنه يطمح إلى شرف الشهادة، ووافقه سيدنا عمر بن الخطاب على طلبه، واستخلف مكانه في شرق أذربيجان سيدنا سمَّاك بن خرشة وهو قادم من "واج روذ" بجيش بعثه سيدنا نعيم بن مقرن بناءً على رسالة من سيدنا عمر بن الخطاب بأن يمد جيش بكير بسماك بن خرشة على رأس ألفي مقاتل للسيطرة على منطقة أذربيجان الواسعة؛ فاستخلفه سيدنا بكير بن عبد الله على منطقة أذربيجان الشرقية، واستخلف على كل أذربيجان سيدنا عتبة بن فرقد.

ويرسل سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا بكير بن عبد الله إلى سيدنا سراقة بن عمرو -رضي الله عنهم أجمعين- ليساعده في فتح مدينة "الباب".

فيذهب سيدنا بكير بفرقة صغيرة إلى منطقة باب الأبواب ليلحق بجيش المسلمين الذي على رأسه سيدنا سراقة بن عمرو، وهو من صحابة النبي، وقد أقلع سيدنا سراقة بن عمرو من الكوفة إلى منطقة "الباب" وليس له شأن بمنطقة أذربيجان مع أنها في طريقه، لكنه يذهب إلى وجهة معينة، وخطة موضوعة بحكمة شديدة، وضعها سيدنا عمر وهو في المدينة، ومدينة باب الأبواب من أكبر مدن "الباب" وتقع على مدينة بحر قزوين، وسميت باب الأبواب لأنها مبنية على أبواب طرق كثيرة مؤدية إلى الجبل فهي منطقة جبلية، وتوجد طرق كثيرة في الجبل، وهذه المدينة على باب الطرق، ولا يستطيع أحد صعود تلك الجبال إلا بعد أن يدخل من مدينة باب الأبواب.

وبعد أن كان سيدنا بكير بن عبد الله قائد الجيوش في أذربيجان يصبح على ميسرة جيش المسلمين تحت إمرة سيدنا سراقة بن عمرو القائد العام للجيوش، وعلى مقدمة الجيوش سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي، وكان له ذكر مهم في موقعة القادسية هو وأخوه سلمان بن ربيعة الباهلي، وهو ليس من الصحابة رغم إسلامه في حياة النبي، لكنه لم يَرَ النبي، ويتقدم هذا الجيش إلى فتح مدينة الأبواب كما خطط له سيدنا عمر بن الخطاب .

وبعد أن أصبحت أذربيجان تحت إمرة سيدنا عتبة بن فرقد بدأ بتقسيم الغنائم في أذربيجان، وكما ذكرنا من قبل أن أربعة أخماس الغنيمة يوزع على الجيش، والخُمْسُ الآخر يُرسَل إلى بيت مال المسلمين، فأرسل سيدنا عتبة بن فرقد خمس الغنائم إلى سيدنا عمر بن الخطاب وأرسل مع الخمس طعامًا من أرض أذربيجان لا يوجد في الجزيرة العربية؛ ليأكل منه سيدنا عمر بن الخطاب ، ويتوجه الرسول إلى سيدنا عمر بن الخطاب ويدفع إليه خمس الغنائم والطعام، ويتذوقه سيدنا عمر بن الخطاب، ويقول: والله إنه لطيِّبٌ، هل أكل جيش المسلمين منه؟ فقال الرسول: بل هو شيء خَصَّك به عتبة.

فيغضب سيدنا عمر غضبًا شديدًا لم يغضبه إلا في مواقف معدودة كما يذكر الحاضرون، ويرسل رسالة إلى سيدنا عتبة بن فرقد يقول له فيها: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد فليس من كَدِّكَ، ولا كَدِّ أُمِّك، ولا كَدِّ أبيك، لا نشبع إلا مما يشبع منه المسلمون.

وتظهر شدة سيدنا عمر في الرسالة، فهو لا يرضى أن يُخَصَّ بشيء يُفضَّل به على المسلمين، وقد طبَّق هذا الأمر في الإسلام، ونجح هذا الأمر فكان مثالاً عمليًّا يحتذى به.

فتح الباب :

بنظرة حربية ثاقبة يرسل سيدنا عمر بن الخطاب من الجزيرة -وقد فتحت الجزيرة في العام السابع عشر الهجري- جيشًا على رأسه حبيب بن مسلمة ليدخل المدينة من غربها، وكان جيش سيدنا سراقة متقدم ليدخل المدينة من شرقها، تمامًا كخطة فتح أذربيجان، ويمر الجيش من مدينة أرمينية التي فتحها المسلمون أيضًا في العام السابع عشر من الهجرة، ويتقدم الجيشان إلى مدينة الباب.

ويسارع حاكم مدينة الباب -وكان اسمه شهربراز- لطلب الصلح، ويضع هو الشرط بأن يدافع أهل الباب عن الباب نظير إسقاط الجزية أو أخذ أجر من المسلمين، وبدأت تتحقق آثار الصلح مع مدينة جرجان بصور متلاحقة، وسقطت مدينة (الباب) على حصانتها وكانت من أشد المناطق حصانة، وتسقط بطلب أهلها أن يدخلوا في الصلح مع المسلمين على أن تكون لهم الباب، ويدفعوا الجزية للمسلمين أو يأخذوا أجرًا مقابل الدفاع عنها لصالح المسلمين، وتسقط الباب بمنتهى السهولة على غير المتوقع تمامًا.

وبعد فتح الباب أصبح المسلمون على حدود بلاد الترك، وفي أثناء تفكير المسلمين في غزو الترك أو تكملة فتح بلاد فارس يتوفى سيدنا سراقة بن عمرو، ويستخلف مكانه قبل وفاته سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي قائد مقدمة المسلمين، ويُقِرُّه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، فأصبح عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي أمير منطقة الباب.

ويجهز عبد الرحمن بن ربيعة جيشه، ويرسل إلى شهربراز (الذي عقد معه المعاهدة) ويتقدم بالجيش إلى ناحية الشمال ليفتح بلاد الترك، فقال له شهربراز: ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد غزو بَلَنْجَر والترك. قال: لقد رضينا منهم ألا نغزوهم ولا يغزونا. فقال عبد الرحمن: لكنا لا نرضى حتى نغزوهم في ديارهم، وتالله إن معنا أقوامًا لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم الروم. قال: وما هم؟ فيصف له سيدنا عبدالرحمن الجيش بكلمات قليلة فيقول: هم أقوام صحبوا رسول الله، ودخلوا في هذا الأمر بِنِيَّة، ولا يزال هذا الأمر لهم دائمًا، ولا يزال النصر معهم حتى يغيّرهم من يغلبهم.

وبالتمعن في هذه الكلمات وبالنظر إلى الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون، نعرف لماذا أصبحنا في حالة ضعف وهزيمة، فدائمًا النصر للمسلمين إلى أن يتغيروا، ومن يغيرهم يغلبهم، فببساطة شديدة يصف له جيشه، وأن الجيش منتصر إذا تمسك بدينه، فإذا تغير أصابته الهزيمة، وما فعله أعداء الإسلام في المسلمين كثير، وسنتكلم عن هذه التغييرات في الدرس القادم.

ولم يجد شهربراز حيلة، ودخل سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي بجيشه إلى بلاد الترك، وتوغل سيدنا عبد الرحمن بن ربيعة بجيشه في بلاد الترك مسافة تعجب منها المؤرخون العسكريون؛ فقد تَوَغَّل ألفًا ومائة كيلو مترٍ من غير مقاومة تذكر من بلاد الترك، مع قوة الجيش التركي في ذلك الوقت، وكانت مملكة قوية جدًّا وعليها ملك قوي يُلَقَّبُ بالخاقان وكانت في قوة الفرس؛ مما دفع الفرس لأن تعقد معها معاهدة بعدم الغزو المتبادل، ومع ذلك هُزِمَ ذلك الجيش، وكان سر الهزيمة انتشار إشاعة في مملكة الترك كان لها أثر قوي جدًّا، وهذه الإشاعة لم ينشرها المسلمون بل نشرها الترك بين أنفسهم. فما هذه الإشاعة؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله.
 

السبت، 2 مايو 2015

حقيقة الإمبراطور محمد جلال الدين أكبر ، بطل فيلم “جودا أكبر”

أحدث فيلم "جودا أكبر" ضجة كبيرة قبل عرضه في الهند فقد قامت مجموعات هندوسية بمهاجمة ملصقات الفيلم مما حدا بالسلطات بمنع عرضه في بعض المدن الهندية، أما في البلاد العربية فقد لقي ترحيباً حاراً، مما حدا ببعض القنوات لدبلجته بالعربية ليكون أول فيلم هندي مدبلج!! وتقدر بعض التقارير أن هناك 6000رابط باللغة العربية في شبكة الإنترنت تتحدث عن الفيلم ونجاحاته.
ورغم أن وكالة رويترز نقلت "عن العاملين في فيلم (جودا-أكبر) إنهم يريدون أن يظهروا كيف نجح الحبيبان في تحطيم الحواجز الثقافية والدينية".!! إلا أن غالب الآراء المدونة في الإنترنت تمدح الفيلم على اعتبار أنه يعطي صورة جميلة للإمبراطور المسلم من خلال احترام زوجته الهندوسية، وقد غاب عن هؤلاء أن هذا الإمبراطور لم يحترم دينه أصلاً بزواجه من غير مسلمة أو كتابية!! وهذا من مظاهر ضعف التفكير والتحليل التي يعاني منها مسلمو العصر بفضل التعليم والتربية العلمانية التي تصب عليهم صباح مساء.
لقد تم التركيز على الجانب العاطفي فقط المتمثل بقصة الحب والغرام بين مسلم وهندوسية، لتمرير عدد من الأفكار تحت دعوى التسامح والانفتاح والعدل، الذي يطول فقط الهندوس، بينما المسلمون في الفيلم هم الذين يقدمون التنازلات الدينية تجاه الهندوس كما أن كل النقائص والخيانات لا تصدر إلا من المسلمين، بل حتى حالة الخيانة الهندوسية الوحيدة يتم التوبة منها وإفشاء سرها كما أن العم الهندوسي المغتصب للحكم يعتذر من ابن أخيه على فراش الموت!!
ولما كانت قصة الفيلم مختارة بعناية ودقة ودهاء لتمرير مفاهيم وأفكار محددة، وتم التغاضي كلياً عن حقيقة موقف وتاريخ بطل الفيلم محمد جلال أكبر رغبت بتقديم الجانب الغائب من شخصية "أكبر" في الفيلم.
لقد عرفت الهند على يد أكبر هذا عقيدة منحرفة قدمت من إيران تسمى " العقيدة الألفية" تقوم على أن صلاحية الإسلام تستمر لمدة ألف عام فقط من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعدها تظهر شريعة جديدة للبشر، ومخترع هذه العقيدة الباطلة هو محمود بسيخواني (توفي سنة 832هـ) مؤسس الفرقة النقطوية في منطقة كيلان الإيرانية، والذي نقل هذه العقيدة النقطوية المنحرفة للهند: عبد القادر بن ملوك شاه البدايونى، واقتنع بها أبو الفضل بن المبارك الناكورى أحد علماء السوء والضلالة وأحد المقربين من الإمبراطور جلال الدين أكبر، والذي زين لأكبر إظهار دين جديد يكون أكبر هو مؤسسه وصاحبه!!
وبعد اقتناع أكبر بانتهاء صلاحية الإسلام أصدر له شيخ السوء مبارك الناكورى والد أبي الفضل وثيقة عصمة من الزلل والخطأ وانه قد بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق فليس بحاجة لرأي العلماء وأنه مستغنٍ عنهم!!
وبعد ذلك تبلور الدين الجديد باسم "الدين الإلهي أو الأكبري" والذي يقوم على الأسس التالية:
- عقيدة وحدة الوجود التي لا تميز بين خالق ومخلوق، وأن الوجود هو حقيقة واحدة فقط، فالإنسان والحيوان والجماد والنبات والله شيء واحد _تعالى الله عز وجل عن ذلك _، وهي عقيدة منتشرة بين متصوفة الهند مسلمين وغير مسلمين واشتهر بها ابن عربي.
- وحدة الأديان، - وهي نتيجة لازمة لعقيدة وحدة الوجود- فكل الأديان عند جلال الدين أكبر هي دين واحد، ولا يخفى على العاقل بطلان هذه الفكرة فكيف يمكن جعل الشيء ونقيضه صواباً!!
- لما قام هذا الدين على جمع أديان الهند التي تعترف بإله، جعل شعار دينه "لا إله إلا الله أكبر خليفة الله" فحذف الاعتراف برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لأن الخلاف بين الأديان متعلق بالرسالة بنظره، وهو في كل هذا يسعى لجمع أهل الهند سياسياً تحت حكمه، ودينياً تحت دينه الجديد!!
أما على صعيد الشعائر والعبادات، فقد أمر الجميع بالسجود له كلما دخلوا عليه، وأمر بعبادة الشمس والنار أربع مرات في اليوم، لأنه كان يعتقد أن الشمس هي المتصرفة في الكون، وواضح تأثره هنا بالزرادشتية.
وقام أكبر بإسقاط فرائض الإسلام كلها، ومنع أداء الصلوات الخمس في قصره، وهدم بعض المساجد وحولها لمعابد هندوسية، ومنع صيام شهر رمضان. وأصدر مرسوماً بإلغاء الزكاة، ومنع الناس من الذهاب للحج!! وبَدّل تحية الإسلام (السلام عليكم) إلى "الله أكبر" وجعل الرد: "جل جلاله" في تلميح لألوهية جلال أكبر.
وأكرم أكبر الخنزير وبنى بيتا للخنازير في قصره ليراها كل صباح!! كما قدس البقرة ومنع من ذبحها بتأثير زوجته جودا ومستشاريه الهندوس، وقد لبس زنارهم ووضع "القشقة" وهي النقطة الملونة على جبينه، وحين ماتت أمه أقام مأتمها على طريقة الهندوس!!
كما منع تدريس العربية وأغلق الكثير من المدارس والجامعات الإسلامية.
وبسبب هذا الدين الجديد عاش المسلمون في محنة شديدة، لم تزل لليوم آثارها ظاهرة من انتشار كثير من العقائد الفاسدة بينهم وضياع هيبتهم ومجدهم، واندثار كثير من مدارسهم وجامعاتهم.
وقد كان دينه الجديد القائم على مزج الأديان معاً سبباً لظهور النفوذ البريطاني في الهند وسيطرة شركة الهند الشرقية التي تأسست زمنه على مقدرات الهند وممالكها الإسلامية، حتى تم تغيير عاصمة الهند من دهلي التي ينتسب لها كثير من علماء المسلمين باسم الدهلوى إلى دلهي.
هذه نبذة في غاية الاختصار عن الحقيقة المغيبة لبطل فيلم "جودا أكبر" ، فهل نعي حقيقة ما يراد لنا أن نشاهده، ولمصلحة أي أجندة تصرف 10 ملايين دولار هي قيمة إنتاج الفيلم؟؟ 

.
 
المقال عن الامبراطور و الفيلم للباحث أسامة شحادة من الأردن
 http://osamash.maktoobblog.com