نستقرئ مما اعترف به المنصفون من المستشرقين أن الحضارة
الإسلامية كانت هي صاحبة الفضل في إرساء الحجر الأساس للحضارة الأوربية
الحديثة؛ حيث أسهمت بكنوزها في الطب والكيمياء والرياضيات والفيزياء في
الإسراع بقدوم عصر النهضة وما صحبه من إحياء للعلوم المختلفة. فبينما كانت
الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربًا لتخوم الصين شرقًا
كانت أوربا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في ظلام حضاري وجهل، وامتدت هذه
الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على الغرب وتطرق
أبوابه. فنهل منها معارفه، وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية.
فلم تَخلُ أوربا من مؤرخين أبصروا ما للمسلمين من فضل في الحضارة الإنسانية على الحضارة الأوربية؛ فألفوا كتبًا ودراسات منصفة تشيد بفضل المسلمين الذي لا يمكن إنكاره. فقد نذكر نفرًا منهم درسوا هذه الحضارة دراسة وافية وأبدوا إعجابهم بها.
فمثلاً يقول "توماس أرنولد": "كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتُبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى".
ويقول "جورج سارتون" في كتابه (مقدمة في تاريخ العلم): "إنّ الجانب الأكبر من مهام الفكر الإنساني اضطلع به المسلمون؛ فـ"الفارابي" أعظم الفلاسفة، و"المسعودي" أعظم الجغرافيين، و"الطبري" أعظم المؤرخين".
كذلك يُبدي "تومبسون" إعجابه بالعلوم الإسلامية فيقول: "إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية، وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك". ويقول في مكان آخر: "إن ولادة العلم في الغرب ربما كان أمجد قسم وأعظم إنجاز في تاريخ المكتبات الإسلامية".
هذا، وقد أبدى الباحث اليهودي "فرانز روزانتال" إعجابه الشديد ودهشته البالغة لسموّ الحضارة الإسلامية وسرعة تشكلها، فيقول: "إن ترعرع هذه الحضارة هو موضوع مثير ومن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ؛ ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل وتكوُّن هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء وتطور الحضارة، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين، ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة؛ لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جدًّا، بحيث يمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ".
وقد أشاد أحد الباحثين وهو "روبرت بريفولت" بالحضارة الإسلامية فقال: "إن القوة التي غيرت وضع العالم المادي كانت من نتاج الصلة الوثيقة بين الفلَكيين والكيميائيين والمدارس الطبية. وكانت هذه الصلة أثرًا من آثار البلاد الإسلامية والحضارة العربية. إن معظم النشاط الأوربي في مجال العلوم الطبيعية إلى القرن الخامس عشر الميلادي كان مستفادًا من علوم العرب ومعارفهم، وإني قد فصلت الكلام في الدور الذي لعبته العربية في اليقظة الأوربية؛ لأن الكذب والافتراء كانا قد كثرا في العصر الحاضر، وكان التفصيل لا بد منه للقضاء عليهما".
ويقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري): "لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة".
ويقول رينيه جيبون: "لم يدرك كثير من الغربيين قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية، ولا فقهوا حقيقة ما أخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية".
ويذكر "هينولد" أن ما قام على التجربة والترصد هو أرفع درجة في العلوم، وأن المسلمين ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء. فقد قام منهاج المسلمين على التجربة والترصد، وكانوا أول من أدرك أهمية المنهاج في العالم، وظلّوا عاملين به وحدهم زمنًا طويلاً.
ويقول "دُولنبر" في كتاب (تاريخ الفلك): "لقد منَح اعتمادُ العرب على التجربة مؤلفاتِهم دقة وإبداعًا، ولم يبتعد العرب عن الإبداع إلا في الفلسفة التي كان يتعذر قيامها على التجربة". ويستطرد قائلاً: "ومن مباحثنا في أعمال العرب العلمية أنهم أنجزوا في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الأغارقة في زمن أطول من ذلك كثيرًا، وكان تراث اليونان قد انتقل إلى البيزنطيين الذين عادوا لا يستفيدون منه زمنًا طويلاً، ولما آل إلى العرب حوَّلوه إلى غير ما كان عليه، فتلقّاه ورثتهم (يقصد الأوربيين حديثًا) وحوَّلوه مخلوقًا آخر".
ويقول مسيو ليبري: "لو لم يظهر المسلمون على مسرح التاريخ لتأخرت نَهضة أوربا الحديثة عدة قرون". ولقد أشار أيضًا إلى هذا المعنى المؤرخُ الفرنسيُّ الشهير "سديو" في تاريخه الكبير، الذي ألفه في عشرين سنة؛ بحثًا عن تاريخ المسلمين، وعظيم حضارتهم، ونتاجهم العلمي الهائل، فقال: "لقد استطاع المسلمون أن ينشروا العلوم والمعارف والرقيَّ والتمدُّن في المشرق والمغرب، حين كان الأوربيون إذ ذاك في ظلمات جهل القرون الوسطى..."، إلى أن يقول: "ولقد كان العرب والمسلمون -بما قاموا به من ابتكارات علمية- ممن أرْسَوا أركان الحضارة والمعارف، ناهيك عما لهم من إنتاج، وجهود علمية، في ميادين علوم الطب، والفلك، والتاريخ الطبيعي والكيمياء والصيدَلَة وعلوم النبات والاقتصاد الزراعي وغير ذلك من أنواع العلوم التي ورِثناها نحن الأوربيين عنهم. وبحقٍّ كانوا هم معلمينا والأساتذة لنا".
ويذكر العلامة سديو أيضًا: "أن المسلمين سبقوا كيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِي وفي دوَران الأرض. وفي كتبهم من النصوص ما تعتقد به أن نفوسهم حدثتهم ببعض اكتشافات العلم الحديث المهمة".
هذا، ولم ينسَ فضلاء علماء الغرب أن يعترفوا بهذه الحقيقة، ونستقي من كتاب "حضارة العرب" لـ"جوستاف لوبون" حيث يقول: "وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم، ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدّنُوا أوربا مادة وعقلاً وأخلاقًا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الإبداع الفني".
ويستطرد جوستاف لوبون قائلاً: "ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهُما مدينان لهم في تمدّنِهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة، وفتحوا لأوربا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون. فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوربا خمسة أو ستة قرون. فعَلى العالم أن يعترف للعرب والمسلمين بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة".
ويذكر المستعرب الصيني "لي قوان فبين" وكيل وزارة الخارجية الصينية، وعضو مجمع الخالدين (اللغة العربية) بالقاهرة، وصاحب الدراسات العاشقة لتراث وحضارة العرب والمسلمين "أن الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض، وأنها قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها؛ لأنها حضارة إنسانية الطابع، عالمية الأداء، رفيعة القدر علميًّا وفكريًّا وثقافيًّا. وبعدما تعمّقتُ في الأدب العربي القديم والحديث ازْداد اقتناعي بأن الشرق يمتلك سحر الحضارة والأدب والثقافة، وأنه صاحبُ الكلمة المفكِّرة والعقلية المنظمة. إذن فالحضارة الإسلامية تحمل عوامل البقاء؛ لأنها عصيَّة على الهدم، لتوافر أركان التجدد والحيوية في نبضها المتدفق، وهي من أقوى حضارات الأرض قاطبة؛ لأنها تستوعب كل ما هو مفيد من الآخر وتصهَره في نفسها ليصبح من أبنائها، بخلاف الحضارة الغربية المعاصرة. كما أن الحضارة العربية الإسلامية تتسم بأنها عالمية الأداء والرسالة، إنسانية الطابع، جوهرها نقي ومتسامح".
ويقول الدكتور "خوسيه لويس بارسلو" أحد الباحثين الأسبان: "يجب أن نقرر الأهمية الحقيقية لتأثير العلوم الإسلامية، فهي من الناحية الموضوعية قد ساعدت على وجود المعايير الطبية الحالية". ويذكر من هذا المنطلق: "فقد أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعدُّ في الوقت الحاضر من أرْوع المدنيات في كل العصور، كذلك فإنه أيضًا قد جمع حضارة متينة متقدمة، وذلك إذا ما طرحنا جانبًا الاضمحلالَ الواضح للقوى السياسية، والتفكك الظاهر للدول الإسلامية، فإن الشخصية الجماعية للإسلام قد صمَدتْ أمام كافَّة أنواع التغيرات، ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنيةُ عامة والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تَخمُد. هذه هي روح الإسلام كما يجب أن يفهمها أولئك الذين يحاولون عن عمدٍ وسوء نية تشويه صورته".
وقد حان الوقت لنستذكر هذه الحقائق عن حضارتنا، آملين الإفادة منها لنهوضنا من جديد.
المصدر: مجلة حراء.
فلم تَخلُ أوربا من مؤرخين أبصروا ما للمسلمين من فضل في الحضارة الإنسانية على الحضارة الأوربية؛ فألفوا كتبًا ودراسات منصفة تشيد بفضل المسلمين الذي لا يمكن إنكاره. فقد نذكر نفرًا منهم درسوا هذه الحضارة دراسة وافية وأبدوا إعجابهم بها.
فمثلاً يقول "توماس أرنولد": "كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتُبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوربا في القرون الوسطى".
ويقول "جورج سارتون" في كتابه (مقدمة في تاريخ العلم): "إنّ الجانب الأكبر من مهام الفكر الإنساني اضطلع به المسلمون؛ فـ"الفارابي" أعظم الفلاسفة، و"المسعودي" أعظم الجغرافيين، و"الطبري" أعظم المؤرخين".
كذلك يُبدي "تومبسون" إعجابه بالعلوم الإسلامية فيقول: "إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية، وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك". ويقول في مكان آخر: "إن ولادة العلم في الغرب ربما كان أمجد قسم وأعظم إنجاز في تاريخ المكتبات الإسلامية".
هذا، وقد أبدى الباحث اليهودي "فرانز روزانتال" إعجابه الشديد ودهشته البالغة لسموّ الحضارة الإسلامية وسرعة تشكلها، فيقول: "إن ترعرع هذه الحضارة هو موضوع مثير ومن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ؛ ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل وتكوُّن هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء وتطور الحضارة، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين، ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة؛ لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جدًّا، بحيث يمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ".
وقد أشاد أحد الباحثين وهو "روبرت بريفولت" بالحضارة الإسلامية فقال: "إن القوة التي غيرت وضع العالم المادي كانت من نتاج الصلة الوثيقة بين الفلَكيين والكيميائيين والمدارس الطبية. وكانت هذه الصلة أثرًا من آثار البلاد الإسلامية والحضارة العربية. إن معظم النشاط الأوربي في مجال العلوم الطبيعية إلى القرن الخامس عشر الميلادي كان مستفادًا من علوم العرب ومعارفهم، وإني قد فصلت الكلام في الدور الذي لعبته العربية في اليقظة الأوربية؛ لأن الكذب والافتراء كانا قد كثرا في العصر الحاضر، وكان التفصيل لا بد منه للقضاء عليهما".
ويقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري): "لا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم، فقد كان في كل بيت مكتبة".
ويقول رينيه جيبون: "لم يدرك كثير من الغربيين قيمة ما اقتبسوه من الثقافة الإسلامية، ولا فقهوا حقيقة ما أخذوه من الحضارة العربية في القرون الماضية".
ويذكر "هينولد" أن ما قام على التجربة والترصد هو أرفع درجة في العلوم، وأن المسلمين ارتقوا في علومهم إلى هذه الدرجة التي كان يجهلها القدماء. فقد قام منهاج المسلمين على التجربة والترصد، وكانوا أول من أدرك أهمية المنهاج في العالم، وظلّوا عاملين به وحدهم زمنًا طويلاً.
ويقول "دُولنبر" في كتاب (تاريخ الفلك): "لقد منَح اعتمادُ العرب على التجربة مؤلفاتِهم دقة وإبداعًا، ولم يبتعد العرب عن الإبداع إلا في الفلسفة التي كان يتعذر قيامها على التجربة". ويستطرد قائلاً: "ومن مباحثنا في أعمال العرب العلمية أنهم أنجزوا في ثلاثة قرون أو أربعة قرون من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الأغارقة في زمن أطول من ذلك كثيرًا، وكان تراث اليونان قد انتقل إلى البيزنطيين الذين عادوا لا يستفيدون منه زمنًا طويلاً، ولما آل إلى العرب حوَّلوه إلى غير ما كان عليه، فتلقّاه ورثتهم (يقصد الأوربيين حديثًا) وحوَّلوه مخلوقًا آخر".
ويقول مسيو ليبري: "لو لم يظهر المسلمون على مسرح التاريخ لتأخرت نَهضة أوربا الحديثة عدة قرون". ولقد أشار أيضًا إلى هذا المعنى المؤرخُ الفرنسيُّ الشهير "سديو" في تاريخه الكبير، الذي ألفه في عشرين سنة؛ بحثًا عن تاريخ المسلمين، وعظيم حضارتهم، ونتاجهم العلمي الهائل، فقال: "لقد استطاع المسلمون أن ينشروا العلوم والمعارف والرقيَّ والتمدُّن في المشرق والمغرب، حين كان الأوربيون إذ ذاك في ظلمات جهل القرون الوسطى..."، إلى أن يقول: "ولقد كان العرب والمسلمون -بما قاموا به من ابتكارات علمية- ممن أرْسَوا أركان الحضارة والمعارف، ناهيك عما لهم من إنتاج، وجهود علمية، في ميادين علوم الطب، والفلك، والتاريخ الطبيعي والكيمياء والصيدَلَة وعلوم النبات والاقتصاد الزراعي وغير ذلك من أنواع العلوم التي ورِثناها نحن الأوربيين عنهم. وبحقٍّ كانوا هم معلمينا والأساتذة لنا".
ويذكر العلامة سديو أيضًا: "أن المسلمين سبقوا كيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِي وفي دوَران الأرض. وفي كتبهم من النصوص ما تعتقد به أن نفوسهم حدثتهم ببعض اكتشافات العلم الحديث المهمة".
هذا، ولم ينسَ فضلاء علماء الغرب أن يعترفوا بهذه الحقيقة، ونستقي من كتاب "حضارة العرب" لـ"جوستاف لوبون" حيث يقول: "وكلما أمعنا في دراسة حضارة العرب والمسلمين وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم، ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأيتَهم أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مدة خمسة قرون موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهم، وإنهم هم الذين مدّنُوا أوربا مادة وعقلاً وأخلاقًا، وإن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يَفُقْهم قوم في الإبداع الفني".
ويستطرد جوستاف لوبون قائلاً: "ولم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم؛ فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهُما مدينان لهم في تمدّنِهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم؛ فهم الذين هذّبوا بتأثيرهم الخُلُقي البرابرة، وفتحوا لأوربا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا مُمدِّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون. فقد ظلّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا للتدريس في جامعات أوربا خمسة أو ستة قرون. فعَلى العالم أن يعترف للعرب والمسلمين بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة".
ويذكر المستعرب الصيني "لي قوان فبين" وكيل وزارة الخارجية الصينية، وعضو مجمع الخالدين (اللغة العربية) بالقاهرة، وصاحب الدراسات العاشقة لتراث وحضارة العرب والمسلمين "أن الحضارة الإسلامية من أقوى حضارات الأرض، وأنها قادرة على اجتياز أي عقبات تواجهها؛ لأنها حضارة إنسانية الطابع، عالمية الأداء، رفيعة القدر علميًّا وفكريًّا وثقافيًّا. وبعدما تعمّقتُ في الأدب العربي القديم والحديث ازْداد اقتناعي بأن الشرق يمتلك سحر الحضارة والأدب والثقافة، وأنه صاحبُ الكلمة المفكِّرة والعقلية المنظمة. إذن فالحضارة الإسلامية تحمل عوامل البقاء؛ لأنها عصيَّة على الهدم، لتوافر أركان التجدد والحيوية في نبضها المتدفق، وهي من أقوى حضارات الأرض قاطبة؛ لأنها تستوعب كل ما هو مفيد من الآخر وتصهَره في نفسها ليصبح من أبنائها، بخلاف الحضارة الغربية المعاصرة. كما أن الحضارة العربية الإسلامية تتسم بأنها عالمية الأداء والرسالة، إنسانية الطابع، جوهرها نقي ومتسامح".
ويقول الدكتور "خوسيه لويس بارسلو" أحد الباحثين الأسبان: "يجب أن نقرر الأهمية الحقيقية لتأثير العلوم الإسلامية، فهي من الناحية الموضوعية قد ساعدت على وجود المعايير الطبية الحالية". ويذكر من هذا المنطلق: "فقد أرسى الإسلام مدنية متقدمة تعدُّ في الوقت الحاضر من أرْوع المدنيات في كل العصور، كذلك فإنه أيضًا قد جمع حضارة متينة متقدمة، وذلك إذا ما طرحنا جانبًا الاضمحلالَ الواضح للقوى السياسية، والتفكك الظاهر للدول الإسلامية، فإن الشخصية الجماعية للإسلام قد صمَدتْ أمام كافَّة أنواع التغيرات، ذلك لأن معيار الشخصية الجماعية هو المدنيةُ عامة والتقاليد التي لم تنطفِئْ أو تَخمُد. هذه هي روح الإسلام كما يجب أن يفهمها أولئك الذين يحاولون عن عمدٍ وسوء نية تشويه صورته".
وقد حان الوقت لنستذكر هذه الحقائق عن حضارتنا، آملين الإفادة منها لنهوضنا من جديد.
المصدر: مجلة حراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق