س: ما حقيقة قصة قتل السلطان "سليمان القانوني" لابنه "مصطفى"؟ وما علاقة زوجة السلطان المعروفة باسم "خُرَّم سلطان" بهذه الحادثة؟
ج: أولا وقبل تلخيص هذه القصة التي تعتبر نقطة سوداء في تاريخ الدولة العثمانية، نؤكد على أنها حادثة صحيحة، وذلة من القانوني -رحمه الله- كلفت الدولة العثمانية بعد ذلك الكثير جدًا.
يذكر المؤرخون بأن الأمير مصطفى عندما كان حيًا، كان لديه أخوة ذكور يدخلون بصورة رئيسية في قضية وراثة العرش هم: الأمير "بايزيد"، والأمير "جهانكير"، والأمير "سليم"، بالإضافة لأخته وابنة القانوني وهي "مهرماه سلطان".
كان الجميع يفكرون بصورة طبيعية في وريث عرش السلطان القانوني، خاصة وأن السلطان قد كَبُر في العُمر، فكان الصدر الأعظم "رَستم پاشا" -رئيس الوزراء وأيضًا زوج ابنة السلطان- وزوجة السلطان "خُرم سلطان" -المعروفة باسم "روكسلانة" قبل إسلامها- يميلون لتولية الأمير "بايزيد" خلفًا لأبيه، أما السلطان نفسه والعلماء والجيش والمشايخ كانوا يفضلون الأمير "مصطفى"، بينما كان الحرم وسكان القصر يُفضلون الأمير "جهانكير" الذي كان مقيمًا في القصر، ولا يتقلد أي وظيفة في أي سنجق (السنجق هو تقسيم إداي للولايات، بحيث تكون كل ولاية تحتوي على عدة سناجق).
أرادت "خُرَّم سلطان" والدة الأمراء "بايزيد"، و"سليم"، و"جهانكير" تعيين أحد أبنائها خلفًا لأبيه، وكانت لا تريد أن يخرج المنصب عن واحد منهم، وبالطبع لم تكن تُفضل "مصطفى" ابن زوجة السلطان "ماه دوران خاصكي"، وكان هذا يُشكل سببًا كافيًا لإشعال نار الفتنة والتنافس، فبدأت خُرَّم والصدر الأعظم بالاتفاق للتحضير لتعيين الأمير "بايزيد"، تدبير المكائد لتحقيق هذا الغرض، فكان لابد من تصفية الأمير "مصطفى" الأقرب للمنصب حتى تتهيئ الظروف لتولية آخر، وبناء على هذا استعانوا بقضية غاية في الخطورة، وكانت تعد من أخطر القضايا السياسية في الدولة، ألا وهي قضية "تشيع الأناضول". وللدولة العثمانية "السنية" صولات وحروب كثيرة ضد "إيران" الشيعية الصفوية، فقد حاربها سليمان، وكذلك أباه سليم في معركة تاريخية هي معركة "چالديران" أنتصرت فيها الدولة العثمانية.
كان السلطان سليمان قد هيأ جيشًا بقيادته للتوجه لمحاربة إيران، ولدقة عرض هذا الأمر نذكر ما قاله المؤرخ "صولاق زاده" في هذه الحادثة: " كان من الغريب انتشار شائعات غير حميدة بين الجنود، وكانت الخيام مملوءة بأقوال غير معقولة، وكان يقال في السر والعلن: "إن السلطان قد تقدم كثيرًا في العُمر ونهك جسده، ولن يستطيع بعد الآن للخروج إلى أي غزوة، لذا قام بتعيين رَستم پاشا قائدًا للقوات في الأناضول، ويقال بأن الأمير مصطفى كان يتهيأ للجلوس على عرش والده، ولكن رَستم پاشا حال دون ذلك". كانت هذه الشائعات بدرجة التواتر، وكما قيل في المثل: "الأقاويل لا تكون كذبًا بل تكون خطأ"، والحقيقة أن الأمير مصطفى قد تجاوز الأربعين، هو في مقدمة الأمراء من ناحية العلم والبطولة، كما أن الجيش والشعب يحبانه ويريدانه، وقام بعض الحمقى عن حسن نية وبعضهم عن سوء نية بإيصال هذه الأقوال إليه وحاولوا دفعه إلى مرحلة العصيان ".
وعلى إثر هذه الشائعات وصل الحديث للسلطان بأن الأمير مصطفى يتصل سرًا بشاة إيران، وأنه قد أتفق معه على الزواج من أبنته وعلى الانقلاب على أبيه! وأقنعوه بهذا، ولكن القانوني عندما سمع بهذا في أول الأمر نهرهم وأجابهم: "ان أبني مصطفى لا يتجرأ على مثل هذه الوقاحة. إن بعض المفسدين لكي يحققوا مآربهم لا يريدون أن تبقى والسلطنة له". ولكن الرسائل المزورة والدسائس الأخرى المنظمة، أقنعته في النهاية بخيانة ابنه، حتى إنه عندما تهيأ للحرب الثالثة مع إيران، وأراد الأمير مصطفى مساعدة والده والاشتراك معه وجمع ما يقرب من ثلاثين ألف جندي من أطراف قونية، أعتقد السلطان أن هذا الجيش جُمع ضده للانقلاب عليه. ونجحت أخيرًا مساعي الفساد التي ديرت من زوجة السلطان والصدر الأعظم ونتج عنها استصدار فتوى من شيخ الإسلام "أبو السعود أفندي" بطريقة غير مباشرة، بأن الأمير أعلن العصيان ضد الدولة، وعلى الرغم من أن الفتوى غير مكتملة الأركان إلا أنها نُفذت، ونفذت معها أكثر الإعدامات ظلمًا في التاريخ الإنساني عامة والعثماني خاصة في شوال 960هـ/1553م عندما حضر الأمير للقاء والده في الخيمة، فقُبض عليه وأُمر بخنقه.
كان قتله -رحمه الله- بتهمة عصيانه للدولة، ولكن الأدلة كانت خاطئة، وكان الشهود ضده شهود زور، وعلى الرُغم من أن هذا الإعدام أُدخل ضمن إطار قانوني وأقنع الناس بأدلة زائفة، إلا أنه أحدث بلبلة عظيمة داخل البلد، وحزن الأمير "جهانكير" كثيرًا لمقتل أخيه، ومات بعد في نفس العام حزنا عليه وكمدا، وتضايق الجيش وثار، وطالبوا بعزل الصدر الأعظم، فقام السلطان بعزله مضطرا، وأضحى الأمير "مصطفى" أسطورة على ألسنة الشعب.
وقبل أن تهدأ هذه الأحداث، قام "لالا مصطفى پاشا" -مربي السلطان بايزيد وأصبح صدر أعظم في عهد القانوني- بدافع من مصلحته الشخصية بزرع الفتنة بين الأخوين الأميرين بايزيد وسليم، وكان الأمير بايزيد بناء على فرمان قد نُقل عام 965هـ/1558م من كوهاتيا واليًا على "آماصيا"، ونقل الأمير "سليم" من "مغناصيا" واليا على سنجق "قونية". ونتيجة لبعض التحريضات لم يستمع الأمير بايزيد إلى هذا الفرمان مع الأسف، وتمرد على السلطان وأعلن العصيان، فأمر السلطان بجيش ضده، ففر واحتمى هو وأبنائه بشاة إيران، الذي سلمه إلى أبيه السلطان سليمان، وبناء على عصيانه صدرت الأوامر بإعدامه لخروجه على الدولة. وكان بين الأمير وأبيه أبيات من الشعر تلخص حقيقة هذه المسألة:
قال الأمير بايزيد في رباعيته وتحت اسم مستعار "شاهي":
يا والدي السلطان سليمان! ... سلطان العالم كله!
يا والدي الذي هو أحب إلي من نفسي!
أيطاوعك قلبك على إيذاء ابنك بايزيد؟
الله يعلم أني بريء .. يا والدي السلطان.
فأجابه السلطان بشعر رباعي تحت اسم مستعار هو "محبي":
يا ولدي الذي كثيرا ما رفع راية العصيان والطغيان،
ما كنت أود أن أعلق فرمانا في عنقك،
أكان قلبي يطاوعني ضدك يا ولدي بايزيد؟
لا تقل إني برئ .. تب على الأقل يا ولدي.
.
.
.
المصدر: الدولة العثمانية المجهولة، 303 سؤال وجواب توضح حقائق غائبة عن الدولة العثمانية، أحمد آق گوندوز، سعيد أوزتورك، وقف البحوث العثمانية، 2008
http://ottoman-state.blogspot.com/20…/…/blog-post_4253.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق