الثلاثاء، 26 أبريل 2016

خاض المعركة وهو ميت وبلغ هدفه وهو ميت محمولا على الأعناق ...... .


يا وجع قلبي على الأحفاد !!.
ألم يذكروا أن جيشهم براياته الخفاقة عندما انطلق إلى فتح القسطنطينية أيام معاوية بقيادة يزيد ، قد رسم صورة للبطولة تقرب من الخيال ؟ .
سار جيش الإسلام لفتح القسطنطينية ، فتقدم فارس إلى يزيد فقال :
يا يزيد أدرك ابا أيوب الأنصاري ، فإنه وجد معنا وهو مكب على قربوس فرسه من الحمى... والقربوس هو سرج الفرس .
فعطف يزيد عنق جواده ، وعاد القهقري في مسيرة جيشه اللجب حتى بلغ أبا أيوب ، فدهش لوجوده فقال له في عجب أخاذ :
وما الذي أقدمك - أبا أيوب - وقد خلفتك مريضا في أهلك ؟!! .
واليوم لو كان أحدنا مريضا مرضا خفيفا ، ربما ترك الصلاة في المسجد وإن كان المسجد أسفل بيته .
فرفع أبو ايوب راسه من الضنى وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدفن رجل صالح تحت سور القسطنطينة ، فأحببت أن أكون أنا ذلك الدفين تحت سور مدينة الروم .
ولاحظ يرحمك الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه البشرى وهو في غزوة الخندق وكان المسلمون في كرب ما بعده كرب .
أبو ايوب الذي ليس في بدنه قيد أصبع إلا وفيه طعنة أو جرح وقد بلغ من السن عتيا ، يسير غازيا في الجيش وهو في أنفاسه الأخيرة ! .. وأثر هذا المنظر في نفس يزيد ، وكيف لا يؤثر وهذه الكلمات التي انطلقت يضيء مع نورها الليل ، فأقسم يزيد ليبلغن أبا أيوب مناه ، فامر الجيش أن يستحث السير بلا توقف حتى يدرك اسوار القسطنطينية قبل أن يدرك الموت أبا أيوب ، ولكن الموت سبق ، فأمر يزيد بتكفين أبي أيوب ووضعه في تابوت خشب وبيت في نفسه أمرا .
ولما بلغ جند الإسلام أسوار القسطنطينية قال يزيد للأبطال : احملوا أبا أيوب في نعشه على عواتقكم ودعوه يدخل المعركة معكم .
وبدأ القتال وكان في رعيل الأبطال أبو أيوب الأنصاري محمولا على الأكتاف ، يدور مع حامليه يمنة ويسرة ، وحاملوه إذا سقط أحدهم ، هب الآخر إلى حمله فترفرف روحه فوق نعشه لتحقيق أمنيتها وبشارة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم .
كان قيصر الروم قد علا أسواره فدهش لما يشاهد ، دهش للتابوت الذي يتقدم ، ودهش لمقاومة المسلمين البطولية فأدرك أن المسلمين على الرغم من المشقات في طي المسافات قد ظهروا مجالدين ببطولة خارقة ، فطلب وقف القتال والمقابلة للتهادن ، فأرسل يزيد وفدا ، فلما وصل الوفد ابتدرهم قيصر الروم : ما هذا الذي كنت أراه محمولا على عواتق جنودكم المقاتلين يدور حيثما داروا ؟ !!! .
فقال أحد الموفدين : هذا أبو أيوب الأنصاري صاحب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، نذر أن يدفن تحت أسوار بلدك ، وأدركه الموت قبيل وصولنا إلى هذه الأسوار ، فأمر قائدنا يزيد أن يخوض أبو ايوب معنا المعركة وهو ميت ، فهذا الذي تعاينه من أعالي أسوارك وكنت تراه ...
فبادر قيصر إلى إكرام الوفد وحلف أمامهم بصوت جاهر: وحق المسيح لأكرمن قائدكم هذا العظيم أبا أيوب الأنصاري ولأقيمن له مقاما مشهورا ولأسرجن له ما دام الفتيل والزيت في الوجود وبر قيصر بنذره .
وتتوالى العصور وتتوارد ، وأبو أيوب الأنصاري بمكانه من التخليد والتمجيد رابض كالأسد أمام اسوار القسطنطينية .
هذه الصفحات المطوية من تاريخ أمتنا في ملحمتها الخالدة ، يجب أن تنظم قصائد فتتغنى بها الأجيال خلود الزمن .
.
كتبه : محمد الفاتح .
.
.
المرجع : مقدمة كتاب نهاوند فتح الفتوح - تأليف : دكتور شوقي خليل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق