الخميس، 16 أبريل 2015

هل تعود السينما من جديد؟!

هل تعود السينما من جديد؟!
 الشيخ/ إبراهيم بن محمد الحقيل
.
 تشهد المملكة في السنوات الأخيرة نشاطا ليبراليا محموما.. يرى أصحابه أن هذه المرحلة هي مرحلتهم؛ وذلك لتوافر الظروف الدولية والإقليمية والمحلية الملائمة لفرض فكرهم، ويبدو أن أصحاب هذا التوجه المنحرف لن يفوتوا هذه الفرصة الذهبية التي يرون أنها ربما لا تسنح لهم مرة أخرى كما هي عليه الآن.. تمثل ذلك في سياسة فرض الأمر الواقع بتمرير عدد من القرارات التغريبية للمجتمع، مع حملة شعواء تستخدم فيها كافة الأساليب غير الأخلاقية بالطريقة المكيافيلية على كل من يقاوم مشروعاتهم الإجرامية في إفساد الناس أو ينتقدها، وقد تآزر معهم في حملتهم الهوجاء أصحاب الطوائف البدعية الأخرى -لتقاطع مصالحهم معهم- من رافضة اثني عشرية وزيدية وإسماعيلية وصوفية، وأعانهم أصحاب الاتجاهات العصرانية لضرب هذه البلاد المباركة في عمقها الاستراتيجي، وتقويض الدعائم التي قامت عليها؛ بقصد إضعافها وتركيعها داخلياً، وفرض الإملاءات الخارجية عليها، تلك التي تصب في مصلحة هذه الأقليات الناقمة على منهج هذه البلاد، الحاقدة على من يمثلون هذا المنهج أو يدافعون عنه، وقد بان أنهم في سبيل تحقيق خططهم يعملون في خطين متوازيين:
الأول: فرض الفساد العقدي والفكري والأخلاقي بكافة الوسائل تحت شعارات الحرية والإنسانية وقبول الآخر وتحرير المرأة والانفتاح والتعايش والتيسير وغير ذلك، بدعم أجنبي مما يسمى بالمنظمات الحقوقية، ومن الدول المتسلطة.
الثاني: الطعن في المؤسسات الشرعية ومن يمثلها ومن يحميها كالقضاء والهيئات والمساجد والدعوة والإغاثة وتحفيظ القرآن، وكافة المشاريع الدعوية، وتشويه سمعتها، وتأليب الدولة والعامة عليها.
وكان الإعلام الداخلي والخارجي بفضائياته وصحفه أمضى سلاح استخدموه ومرروا به كثيرا من مشروعاتهم.. خدعوا به العامة بما يدعونه إصلاحاً، وألبوهم على أهل العلم والدعوة، الناصحين لأمتهم، الصادقين في انتمائهم، منتهكين في إعلامهم الأنظمة الصادرة في السياسة الإعلامية للمملكة التي تُعَد دستورها في هذا المجال.
وإحياء السينما من جديد هو مشروع واحد من عشرات المشروعات التي يريدون تنفيذها والوصول إليها لإغراق هذه البلاد المباركة في مستنقعات الرذيلة والانحلال، وهذا المشروع لو تحقق لهم فإنه سيلد مشروعات كثيرة خطيرة تفقد هذه البلاد خصوصيتها، وتسلبها ما امتازت به عن غيرها من البلاد الإسلامية التي انتشرت فيها مظاهر الانحلال الأخلاقي، ومجاهرة الفساق فيها بفسقهم.

شيء من تاريخ السينما:
من يراجع الكتب التي أرخت لصناعة السينما سواء الأجنبية منها أو العربية يجد اضطرابا كبيرا في أوليتها، ورصد تدرجها، وسبب ذلك أن تحريك الصور الثابتة مرَّ بأطوار وتجارب كثيرة سجل بعضها وأهمل بعضها الآخر، وهذا سرد تاريخي بأهم التطورات في عالم السينما:
أولاً: السينما العالمية:([1])
- أشهر المحاولات المُبَكِّرة في هذا الصدد محاولة المصور الإنجليزي الأصل إدوارد ماي بردج في عامي 1877م و1878م، بتقديم مجموعة من الصور لحصان يجري.
- قدَّم المخترع الأمريكي المشهور أديسون جهازا عرضت فيه الصور المتحركة عام 1893م.
-في عام 1903م قدَّم إدوين بورتر فيلما روائيا(سرقةالقطار الكبرى) مدتُهُ (11دقيقة) أخرجه دي دبليو جريفيث، ويعد أول عمل روائي في تاريخ السينما([2]).
- قبل نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م، كانت بعض الشركات المنتجة قد أقامت لنفسها عددًا من أماكن التصوير(الاستدي� �هات) حول منطقة هوليوود في لوس أنجلوس التي صارت بعد ذلك أكبر مصنع للسينما في العالم.
- في عام 1927م عرض أول فيلم ناطق وهو (مغني الجاز) الذي تم فيه تحقيق التزامن بين الشريط السينمائي وأسطوانة الصوت المسجلة.
- في عام 1929م، أصبحت عملية تسجيل الصوت على شريط الصورة عملية شائعة، وبه انتهت السينما الصامتة.([3])
- في الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي تراجعت صناعة السينما بسبب انتشار أجهزة التلفزة في أمريكا فانخفض إنتاج هوليوود من )550(فيلمًا في العام قبلالحرب العالمية إلى )250(فيلمًا في الخمسينيات من القرن العشرين، لكن بقيت السينما ولم تنته بالتلفزيون.
- في أوائل السبعينيات ابتدأت دور العرض السينمائية الغربيةبعرض الأفلام الإباحية ابتداء من السويد ففرنسا فإيطاليا فأمريكا([4])
ثانياً: السينما المصرية:([5])
- أول بلد مسلم عرف السينما هي مصر، وكان عرض السينما فيها بعد أشهر فقط من عرضها في فرنسا، وأول عرض للصور المتحركة للجمهور في القاهرة كان يوم السبت 28 نوفمبر سنة 1896م، والأجانب من الفرنسيين والإنجليز والإيطاليين وغيرهم هم من جلب السينما لمصر، وهم أول من عرض أفلامها.
- من عام 1908 إلى عام 1917م زادت عدد دور العرض السينمائية في مصر من عشر إلى ثمانين.
- في عام 1918مأسس مجموعة من الإيطاليين(الشركة السينمائية المصرية) فأنتجت فيلم(الزهور القاتلة) وكان يتضمن آيات قرآنية علقت على الحائط بشكل مقلوب.([6])
- في عام 1919م اكتشف الأجانب عزوف المصريين عن أفلامهم المستوردة أو المنتجة محليا بخبرات أجنبية فلجئوا إلى إشراك المصريين في أفلامهم لترغيب الناس فيها فنجحوا.
- في عام 1923م صدرت مجلة الصور المتحركة في مصر وهي أول مجلة متخصصة في السينما المصرية والأجنبية، وفي عام 1927م أسست غرفة لصناعة السينما في مصر.
- في عام1925أنشأ بنك مصر شركة مصر للتمثيل والسينما، وازدهرت صناعة السينما بعدها، وفي عام 1933م أرسلت شركة مصر للتمثيل والسينما أولى بعثاتها للخارج للدراسة في باريس وبرلين، وأنشأت هذه الشركة ستوديو مصر الذي افتتح عام 1935م، وعدوا ذلك أكبر منجز للسينما في مصر.([7])
- عقب الحرب العالمية الثانية كان في مصر مئة شركة إنتاج سينمائي، ثم ازدهرت صناعة السينما في العقود اللاحقة وأنتجت مصر مئات الأفلام، وفي السنوات الأخيرة يزداد الإنتاج المصري للأفلام ففي عام 2006م أنتجت مصر أربعين فيلما، وأربعين أيضاً في عام 2007م، وزاد العدد في 2008م إلى ثلاثة وخمسين فيلما.
- يقول الناقد السينمائي الفرنسي كلود ميشيل:«إن علاقة مصر بالسينما تذكر كثيرا بعلاقتها بالتأثير الذي مارسته عليها التكنولوجيا المعاصرة، والإيديولوجيا والثقافة الأوربية»([8])
ثالثاً: السينما في السعودية:
ألف خالد ربيع السيد كتابا عن السينما في السعودية بعنوان «الفانوس السحري: قراءات في السينما»([9]) ذكر فيه أن السفارات الأجنبية في المملكة كانت أول من فتح أبوابها للسعوديين لمشاهدة السينما في السبعينيات الميلادية، وأنه كان من مرتادي السفارة النيجيرية والسفارة الإيطالية لمشاهدة الأفلام السينمائية التي تعرض فيها. وأنشئت دور عرض سينمائية في جدة باسم «باب شريف» وسينما «أبو صفية» في حي الهنداوية، وفي الطائف سينما نادي «عكاظ» الرياضي وسينما «الششة»،ويذكر في كتابه أن السينما السعودية خطت أولى خطواتها في عام 1977 ميلادية؛ إذ تم إنتاج أول فيلم سعودي بعنوان «اغتيال مدينة»وعُرض في مهرجان القاهرة السينمائي وحاز على جائزة «نيفرتيتي الذهبية» لأحسن فيلم قصير.
ثم ذكر أنه في فترة الثمانينات اغتيلت أحلام السينما السعودية بفعل التغيرات الدينية والاجتماعية للسعودية التي شهدت موجة عارمة من التدين، وتم إقفال دور العرض السينمائية في كل مدن المملكة وأقفلت السفارات التي كانت تعرض السينما أبوابها.
 قلت: وذكر لي بعضهم أنه في هذه الحقبة كانت بعض الأندية الرياضية تعرض في مقراتها أفلاماً سينمائية عند الفوز، تستميل بها الجمهور الرياضي ليشجع أنديتهم.
- في هذا العام 1430عادت الدعوة للسينما جذعة، واستمات الليبراليون في فرضها واقعاً على الناس، وأنتجت شبكة روتانا فيلماً سعودياً بعنوان(مناحي) عرض في جدة، ومن المحتمل أن يعرض في الرياض خلال الأيام القادمة.
والقارئ لتاريخ السينما العالمية والعربية في مصادرها المختلفة لا بد أن يلحظ ثلاث ملاحظات مهمة:
الملاحظة الأولى: أن السينما نشأت أجنبية الفكر والمشرب والتنفيذ، وأنها لم تكن في يوم من الأيام محايدة، أو أداة للتسلية، أو للربح فقط، وإنما هي تبث رسائل فكرية محددة تستلب عقول مشاهديها بالإثارة والتشويق.
وسيطرة اليهود في هوليوود -أكبر منتج للسينما في العالم- ليست تخفى على أحد، وصالات العرض السينمائية في شتى أنحاء الأرض تستورد أفلامها من هوليوود. وقد صدرت عشرات الدراسات عن هوليوود ونجومها ومخرجي أفلامها، وتمويل اليهود لها، وسيطرتهم عليها، يقول بن جوريون وهويفتخر:«إنني أدعم العمل السينمائي»([10]) وكان بيجن يستقبل بعض صناع السينما وبعض النجوم العالميين([11]). وهذا يدل على عناية قادة اليهود بهؤلاء النجوم؛ لأنهم يخدمون توجهاتهم سواء شعروا بذلك أم لم يشعروا.
يقول الروسي كاراغانوف: «إن الهوليوود يقدم للجمهور ما يريد تقديمه، ويرفض وصاية الجمهور عليه، ليس الهوليوود بحاجة إلى جمهور لأنه يصنع جمهوره بنفسه» ([12]).
ويقول السينمائي السوري صلاح دهني: «إن الأفلام التي نراها تمثل دون أدنى شك هيمنة غربية على الصالات السينمائية... »وذكر أنه كان يعرض في سوريا عام 1966م 300 فيلم 95% منها أمريكية([13]).
الملاحظة الثانية: أن السينما المصرية -التي هي أول سينما عربية- نشأت أجنبية، وأكثر من أسسوها ونفذوها هم من اليهود والنصارى، وكانوا يغيرون أسماءهم عند الحاجة إلى ذلك، وكان رأس المال اليهودي حاضرا فيها بشكل كبير، وتوجد دراسات تتبعت نفاذ اليهود للسينما المصرية من أول نشأتها ([14])، وكان من أشهر المؤثرين في السينما المصرية إبان نشأتها وتطورها عدد كبير من اليهود منهم: توجو مزراحي وإلياس مؤدب وبدر لاما وبهيجة المهدي وراقية إبراهيم وزكي الفيومي وسامية رشدي وسلامة إلياس وكاميليا وشالوم وعباس رحمي وصالحة قاضين وفيفي يوسف ونجمة إبراهيم ونجوي سالم ويوسف ساسون ووداد عرفي، وغيرهم. وقد سيطرت عائلات يهودية على صناعة السينما وأدواتها مثل عائلات: منشة وموصيري ويوسف قطاوي وسوارس ومزراحي وأسمالون وشيكوريل وعدس وساسون.
حتى إن مجلة صباح المصرية تذمرت من السيطرة الأجنبية على السينما المصرية، وغرسها لأفكار وأخلاق معينة فكتبت في افتتاحيتها تحت عنوان «الأجانب والسينما في مصر»: «لقد كنا إلى آخر لحظة نحسن الظن أو نحاول أن نحسن الظن بجماعة الأجانب الذين يحترفون السينما في مصر....وطالما أغمضنا أعيننا عن كثير من الجرائم التي يرتكبونها ويعتدون فيها على كرامة المصري ....أهملوا اللغة العربية وهي لغة السواد الأعظم من أبناء البلاد... »([15])
وفي عام1940 شن الرسام الناقد كامل التلمساني حملة قوية على وضع السينما ومضامينها، وكتب المقالات المنتقدة لها في مجلة(التطور) وهاجم نظرية (الفن للفن) وهو أول من استخدم تعبير (سينما المخدرات) لما فيها من مضامين الفساد.([16]).
وتذكر الفنانة الجزائرية التي تابت خديجة المداح، وعُرفت عند أهل الهوى والضلال بـ(هدى الجزائرية) أنها عملت مع امرأة يهودية، تقول:«فما كان منها إلا أن أوفدتني للعمل في باريس مُهرِّجة مع يهودي وآخر فرنسي، كان دوري يتلخص في ارتداء الزي الجزائري والسخرية منه ليضحك الجمهور الفرنسي..وفي باريس تعرفتُ على ليلى الجزائرية التي كانت تعمل مع فريد الأطرش، فرشحتني للعمل راقصة، وكنت في كل يوم أقترب كثيراً من حياة الضلال»([17])
وخصص الناقد السينمائي الفرنسي غي هاينبيل فصلا من كتابه (خمسة عشر عاما من السينما العالمية) درس فيه السينما العربية وحلل واقعها بين عامي 1960-1975 ذكر فيه الدور الإمبريالي في السينما العربية وسيطرة شركات الإنتاج والتوزيع الهوليوودية الأمريكية في العالم بما فيها السينما العربية. ([18])
وتحدث أحمد هيكل عن فترة الأربعينيات فقالوقد شهدت تلك الفترة تحولا خطيرا في الحياة الفكرية، وقد تمثل هذا التحول في تغلب التيار الفكري المتجه إلى الغرب والمستدبر للشرق....واتخاذ الغرب مثلا أعلى ....وكان من أهم تفوق هذا الاتجاه ازدياد الاتصال بالغرب في المجال الفكري بسبب عودة طائفة من الدارسين في أوربا إلى مصر.... » ثم يذكر أنه في تلك الفترة قويت دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة وتبناها العديد من المفكرين والمثقفين..
ويقول الناقد السينمائي الأردني حسان أبو غنيمةكانت الأفلام الواردة من خارج الوطن العربي والعالم الإسلامي والأفلام المصنوعة داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي تتقاسم قتل المشاهد فكريا وأخلاقيا بصورة تبعث على الدهشة، وكأنما كان هناك نوع من التلذذ بعملية هذا القتل البطيء والمستمر دونما هوادة... ».ثم يذكر أن أي دراسة سيسيولوجية لتأثير ما أنتجته السينما تظهر بجلاء أنها لعبت دورا كبيرا في تخريب الكثير من القيم الإنسانية، وفي تشويه العقل العربي الخام، ودفعه في اتجاه البحث عن قيم غربية بعيدة عن تقاليده وقيمه([19]).
الملاحظة الثالثة: اقتحام العناصر النسائية أو إقحامها في السينما أول نشأتها في مصر إنتاجاً وتمثيلا؛ فأسست عزيزة أمير أول شركة مصرية لها باسم إيزيس فيلم، وخرج فيلمها الأول باسم ليلى في موسم (1927- 1928م) وفيلمها هذا يعده المؤرخون للسينما أول فيلم مصري حقيقي. في أعقاب هذا الفيلم خرج فيلم زينب الذي اشتركت فيه بهيجة حافظ التي أسست فيما بعد شركة سينمائية باسم فنار فيلم. ثم قامت آسيا داغر وأنشأت شركة سينمائية باسم لوتس فيلم وقدمت فيلم غادة الصحراء. ثم جاء دور فاطمة رشدي فأسست شركة سينمائية([20]).
يقول محمد السيد شوشةلقد اقترن الإنتاج السينمائي في البداية بأسماء ست سيدات مصريات كن الرائدات...عزيزة أمير صاحبة فيلم(ليلى) وفردوس حسن فيلم (سعاد الغجرية) وآسيا فيلم (غادة الصحراء) وبهيجة حافظ بفيلم (الضحايا) وفاطمة رشدي بفيلم (الزواج) وأمينة محمد بفيلم (تيتاوونج) ([21])
وإقحام المرأة في عالم السينما منذ بدايتها إخراجاً وتمثيلا، وخلطها بالرجال؛ أثمر ثقافة العري والتخلع والغرام المحرم والإسفاف المخجل في الأفلام المصرية التي غزت العالم العربي فنشرت هذه الثقافة الفاسدة فيه.
زرع القيم والأفكار بالسينما:
كانت السينما من أقوى الأسلحة الفكرية التي نفذت إلى عقل مشاهديها بسهولة لتؤثر فيهم، وتصوغ أفكارهم؛ ولذا اعتنى بها اليهود، وكان الشيوعيون يعلمون خطرها وتأثيرها على الأفكار حتى قال الزعيم الشيوعي لينين عام 1907: «تعتبر السينما من بين جميع الفنون أهمها بالنسبة لنا»([22]).
وقد خاف لينين من تأثير السينما الأمريكية والأوربية على الشعوب الشيوعية، وخشي من إقناعها لهم بالأفكار الليبرالية الرأسمالية فتتحول عن الاشتراكية، وفي هذا يقول لينين: «تسيطر على الفن السينمائي حتى هذه الساعة أيدٍ تجارية قذرة، وتقدم للمشاهدين أفلاما سيئة أكثر مما هي مفيدة، ففي الكثير من الأحيان يفسد الفن السينمائي المشاهدين بأفلام سيئة المضمون».([23])وهذا ما دعا الكاتب الروسي كاراغانوف أن يؤلف كتابه: الفن السينمائي وصراع الأفكار.
وتأثير السينما على المعتقدات والأفكار، وصياغتها للعقول لا ينفيه صانعوها والمروجون لها والمالكون لأكبر إنتاجها، بل يثبتون ذلك، وكذب من زعم من بني قومنا أنها لمجرد الترفيه والتسلية، وأن من يحاربونها يتهمون غيرهم على غير هدى، فهذا المخترع المشهور توماس إديسون وهو ممن طور آليات السينما يقول: «من يسيطر على السينما يسيطر على أقوى وسيلة للتأثير في الشعب..» ([24])ويقول مؤرخ الفنون الأمريكي أورين بانوفسكيإن السينما سواء أحببنا أم لم نحب هي القوة التي تصوغ أكثر من أي قوة أخرى الآراء والأذواق واللغة والزي والسلوك بل حتى المظهر البدني لجمهور يضم أكثر من ستين بالمئة من سكان الأرض».([25]) حتى قيل: السينما أفيون الشعوب([26]).
ويقول وليسونليست وظيفة السينما أن تزودنا بمعرفة للعالم فحسب وإنما تخلق أيضا القيم التي نعيش بها»([27]).
ويقول محمد كريم في مذكراته عن فتنة الناس بالسينما في مصروإذا كان الصباح ملك المدرسة ودروسها فإن بعد الظهر كان ملك الأصحاب.....كانت تسليتهم الكبرى الذهاب إلى السينما توغراف.. »([28]).


[1])) ينظر في ذلك: الموسوعة العربية العالمية، حرف مادة: صناعة السينما، وتاريخ السينما في العالم، جورج سادول، ترجمة إبراهيم الكيلاني، وفايز كم نقش، ط: عويدات، بيروت1388، وصناعة السينما، دراسة اقتصادية مقارنة د.محمد العشري، وهو من أجود الكتب التي أرخت لمراحل السينما العالمية وتطورها ص9-23، وكذلك لنشأة السينما العربية ومراحلها ص24-34.

[2])) والنقاد السينمائيون يصنفونه ضمن أفلام العنف؛ مما يدل على أن الإثارة بالعنف في السينما بدأت مع بدايتها.

[3])) للممثل الهزلي العالمي تشارلي سبنسر تشابلن مذكرات عن حياته وعن مراحل السينما الصامتة أرخت لها كونه أشهر ممثل في هوليوود إبان نشأتها، وأصله إنجليزي، وانتقل إلى أمريكا، وله أكثر من ثمانين فيلما صامتا، ومذكراته بعنوان: قصة حياتي، ترجمها وقدمها: كميل داغر، ط1414.

[4])) الفن السينمائي وصراع الأفكار، الكسندر كاراغانوف، ترجمة د.ممدوح أبو الوي، دار دمشق للطباعة والنشر ، ط الأولى 1985 ص20-21.

[5])) ينظر مع المصادر السابقة في ذكر السينما العالمية: الهوية القومية في السينما العربية، بحث: كمال رمزي بعنوان: ارتباط نشوء السينما العربية بحركة التحرير العربي ص15، مركز دراسات الوحدة العربية، ط الأولى 1986م ، ودراسة مختصرة عن السينما المصرية، الهامي حسن ص170، وقصة السينما في مصر، سعد الدين توفيق، ط: دار الهلال القاهرة، 1969م والنقد السينمائي في الصحافة المصرية للناقد السينمائي د. علي شلش، ص38 وفيه عقد فصلا لتاريخ السينما في مصر، هو أجود ما وقفت عليه من جهة جمع الكتب التي أرخت لبدايات السينما المصرية وتحليلها والمقارنة بينها.

[6])) وقيل: إن هذا الفيلم عرض عام 1917، وحصلت ضجة بسبب تعمد قلب الآيات القرآنية مما أدى إلى إيقاف عرضه.

[7])) الهوية القومية في السينما العربية ص18-19 ، وفي بعض المصادر أن أول استوديو أسس كان بالاسكندرية عام 1912م، وهي أهم مرحلة تطورت فيها السينما، وفيها أرسلت بعثات طلابية لدراسة السينما في الخارج، ينظر: الصحافة الفنية في مصر أحمد المغازي ص346، وشلش ص51

[8])) مجلة تواصل، الدار البيضاء عدد23 1985 ص34 عن السينما الإفريقية ظاهرة جمالية د.وجدي صالح ترجمة: عادل محمد عثمان، ص10-11.
 [9])) نشرته دار الانتشار العربي في بيروت بالتعاون مع نادي حائل الأدبي.

[10])) انظر: الدوافع السياسية في السينما الصهيونية جودت السعد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت الأولى 1983م فقد عقد فيه مبحثا لعلاقة السينما الصهيونية بالسينما العالمية ص29.

[11])) انظر: صحيفة دافارا 29/11/1978 عن المصدر السابق ص33 و36.

[12])) الفن السينمائي وصراع الأفكارص35

[13])) المصدر السابق ص35

[14])) مثل دراسة الناقد السينمائي المصري: أحمد رأفت بهجت بعنوان: اليهود والسينما في مصر، نشرها المؤلف في القاهرة عام 2005م

[15])) مذكرات محمد كريم ص156 عن الهوية القومية في السينما العربية ص21.

[16])) الهوية القومية في السينما العربية ص30

[17])) صحيفة المسلمون، عدد437، والحقيقة أن عبث الأجانب بأبناء المسلمين وبناتهم في الوسط الفني يحتاج إلى دراسة مستفيضة؛ لأن الملاحظ أن اليهود والنصارى كانوا ينطلقون في هذا الإفساد السينمائي من دوافع دينية وعنصرية؛ لأن الذين كرهوهم وفضحوهم من السينمائيين العرب لم يكن الدين عندهم ذا بال وإلا لما دخلوا عالم السينما من بدايته مع ما فيه من فساد، ولكنهم اكتشفوا أن أولئك الأجانب عنصريون لا يبغضون دينهم فقط وإنما يحتقرون جنسهم، وهذا ما أثار حفيظتهم، وكل ما نقلته في هذا المقال هو عن أناس لا علاقة لهم بالدين سوى ما نقلته عن التائبين والتائبات.

[18])) الجانب الآخر للثقافة السينمائية ريما العيسى وحسان أبو غنيمة المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت الأولى 1983م

[19])) الموقف من سينما إسلامية محمد وليد جداع، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، ط الثانية 1409 ص32. وحسان أبو غنيمة متخصص في السينما، وألف فيها كتبا عدة منها: في الفن السابع، والبحث عن السينما الأردنية، وحوارات مع السينما العالمية، والسينما ظواهر ودلالات، وفلسطين والعين السينمائية.

[20])) النقد السينمائي في الصحافة المصرية ص49

[21])) المصدر السابق ص61، ومحمد السيد شوشة ناقد سينمائي قديم، كتب قصة فيلم(آمنت بالله) الذي عرض عام 1952م.

([22]) قصة السينما في العالم آرثر نايت، ترجمة سعد الدين توفيق دار الكتاب العربي1967 ص71 و السينما والأدب، فؤاد دوارة، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 1991م ص20 والفن السينمائي وصراع الأفكار ص3.

[23])) الفن السينمائي وصراع الأفكار ص3.

[24])) الفيلم والجمهور ص18عن السينما والأدب ص18.

[25])) السينما آلة وفن، ألبرت فلتون، ترجمة صلاح عز الدين وفؤاد كامل، تقديم عبد الحليم البشلاوي ص7 والسينما والأدب ص19.

[26])) السينما فن، صلاح أبو سيف دار المعارف ،مصر ص4

[27])) تعريف النقد السنيمائي 42 عن السينما والأدب ص19

[28])) محمد كريم من المخرجين القدماء، امتهن الإخراج السنيمائي سنة 1927م ويعدونه من المخرجين الرواد، ويسمونه في السينما المصرية: المعلم الأول، وهو من أوائل من وطنوا السينما في مصر حين كان الأجانب وخاصة الإيطاليين هم الذين يخرجون الأفلام السينمائية، تأثر بالسينما وعشقها وعمره عشر سنوات إثر مشاهدته لفيلمي ( أسرار نيويورك، وفانتوماس) التي عرضت في سينما (أمبير) في القاهرة، وحاول امتهان التمثيل، وكان يستخفي من أهله هو ورفاقه لأن التمثيل آنذاك كان عارا، ومع تغير الأفكار والقيم صار شرفا. وقد طبعت مذكراته في تاريخ السينما المصرية أكاديمية الفنون عام 2006م بتحقيق محمود علي.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق