الأحد، 19 يناير 2025

عودة إلى "قضيّة كاستنر": محاكمة "شياطين الماضي"!

  في العام 1954 أقام رودولف [يسرائيل] كاستنر دعوى قضائيَّة كانت الأولى من نوعها في إسرائيل والتي توجَّبَ فِيها على قاضٍ إسرائيليّ وللمرّة الأولى البتّ، قانونياً وسياسياً، في مسألة ما إن كان يُمكِن تجريم بعض اليهود بتهمة التعاون مع النّازية خلال الحرب العالميّة الثانية.

كان المتّهم عجوزاً يهودياً هنغارياً يُدعى مالكييل غرينوالد، وكان المُدّعي هو رودولف كاستنر الذي اتّهم غرينوالد بالتشهير به مدّعياً أنّه كان متعاوناً مع النازيّة خلال الحرب العالميّة الثانية. كاستنر كان قد عاش في هنغاريا في ذلك الوقت وكان عضواً في لجنة الإنقاذ الصهيونية التي عملت على توفير ملجأ آمن لليهود الفارّين من النازية في أوروبا. وبعد الاحتلال النازيّ لهنغاريا العام 1944، عمل كاستنر كمفاوض رئيس بعد استدعائه من قبل ضابط الأس أس النازيّ، أدولف أيخمان، الذي يعرف بمهندس الحلّ النهائيّ، للتفاوض حول مصير اليهود الهنغاريين. عرض كاستنر اتفاقاً مبدئياً لإنقاذ حياة ما يقارب مليون يهوديّ مقابل عشرة آلاف شاحنة تسلّم للجيش الألمانيّ فيما عرف لاحقاً بالـ"Blood for Goods". لكنّ الاتفاق لم ينفّذ وأرسل أكثر من 400 ألف يهوديّ إلى معسكر اعتقال أوشفيتز، ومع ذلك، تمكّن كاستنر من عقد اتفاق جانبيّ لإنقاذ حياة 1685 يهوديّا من بينهم أقاربه وأصدقائه أرسلوا إلى سويسرا مقابل أموال ومجوهرات سُلِّمت إلى أيخمان.

كانت المواجهة الأولى بين كاستنر وغرينوالد بعد انتهاء الحرب مُباشرة، عندما وجه الأخير اتهاماً مُباشراً إلى كاستنر خلال المؤتمر الصهيوني العام 1946 بأنّه أنانيّ انتهازيّ ضحَّى بحياة اليهود الهنغاريين للحفاظ على سلامته الشخصيّة. هذا الاتّهام ردّ عليه كاستنر من خلال رفع قضيّة تولّتها محكمة المؤتمر ضد غرينوالد، ولكنّ المحكمة توصّلت إلى قرارٍ بانعدام وجود ما يكفي من الأدلّة للوصول إلى قرارٍ حاسم حول القضيّة وأوصت بتحقيقٍ متعمّق في المسألة مستقبلاً. لاحقاً، انتقل كاستنر إلى إسرائيل وانضم إلى حزب المباي - ما أصبحَ يُعرف الآن بحزب العمل- وبعدها أصبح المتحدّث باسم وزارة الصّناعة والتجارة الإسرائيليّة العام 1952 وكان مرشّحاً للكنيست عن حزب المباي في الانتخابات الإسرائيليّة الأولى والثانية برغم عدم نجاحه في الدورتين.

في ذلك الوقت كان مالكييل غرينوالد عضواً فاعلاً في حزب "همزراحي"، الجناح الدينيّ للحركة الصهيونيّة، وكلاجئ فقد معظم أفراد عائلته في هنغاريا. كانت لغرينوالد دوافع سياسيّة وشخصيّة لمُطاردة كاستنر مرّة أخرى في إسرائيل؛ فإضافة إلى رغبته في فضح جرائم كاستنر، سعى غرينوالد لتشويه المباي أيضاً، مُطالباً بطرد كاستنر من الحزب وتشكيل لجنة تحقيق في الظّروف التي أدّت إلى إبادة يهود هنغاريا. ادّعى غرينوالد من خلال كُتيّب قام بكتابته وتوزيعه مجاناً في مدينة القُدس، أنّ المفاوضات التي جرت بين كاستنر وأيخمان سهّلت عمليّة تدمير اليهود في الوقت التي كان فيها فائدة شخصيّة لكاستنر. في الكتيّب الذي أرسل منه نسخاً لحزب "همزراحي" أيضاً، كتب العام 1955: "يجب إقصاء كاستنر. لثلاث سنواتٍ كنت أنتظر هذه اللحظة التي أجلبه فيها للمحاكمة... الانتهازيّ الذي استمتع بأفعال هتلر من سرقة وقتل، وعلى أساس خدعه الإجراميّة وتعاونه مع النازيّة... أنا أدينه بأنّه قاتل بالإنابة لإخوتي الأعزّاء...".

زعم غرينوالد أنّ كاستنر كان في صداقة مع النّازيين وأيخمان أثناء مفاوضتهم، وبسبب تلك الصداقة سُمِحَ لهُ بإنقاذ أقاربه وعدد صغير من النّخب اليهوديّة الهنغاريّة. وفي المقابل، سَمَحَ كاستنر للنازيين باستخدامه من خلال تعمّده عدم إخبار اليهود الهنغاريين بالوجهات الحقيقيّة للقطارات التي ركبوها غصباً. كذلك ادّعى غرينوالد أنّ كاستنر وبالتواطؤ مع بعض النازيين قد سَرق مال اليهود ومن ثمّ ساعد في إنقاذ الضّابط النازيّ "بيخر Becher"، من خلال شهادة أدلاها في محاكمات نيرنبرغ الألمانيّة.

اضطّرَ كاستنر للردّ على هذه الاتّهامات بعدما حذّره مدّعي الدولة العام بأنّ عليه إمّا رفع قضيّة ضدّ غرينوالد أو عليه الاستقالة من منصبه الحكوميّ. رفع كاستنر قضيّته بالفعل على غرينوالد، ولكن، وبطريقة ما، كان المُتَّهَمُ مُتَّهِما والمتَّهِمُ مُتّهماً؛ فكاستنر دافع عن نفسه لتفنيد الاتّهامات الموجّهة إليه بينما وقَفَ غرينوالد من وراء محاميه شموئيل تامير، الذي تلخّص دفاعه في عدم إنكار أيّ تهمة موجّهة لموكّله والتأكيد على صحّتها جميعاً. "نعم هو قال الحقيقة"، قال تامير عن موكّله، مدّعياً أنّه لو أنّ اليهود أخبِروا بخطّة معسكرات الاعتقال النازيّة، لربّما تمكّن بعضهم من الفرار إلى رومانيا، أو ربّما ثاروا على الألمان، أو ربّما أرسلوا في طلب المساعدة من الخارج، وكلّ هذا كان يمكنه إبطاء آلة القتل النازيّة. والآن، عليكم أنتم أن تثبتوا أنّ هذا الرجل لم يكن متعاوناً مع النازية.

وهكذا أصبحت القضيّة التي رفعها كاستنر ضد غرينوالد، قضيّة كاستنر.

قضيّة اليهوديّ الجديد ضدّ قديم المباي

كمحاكمة أدولف أيخمان التي كانت أوّل محاكمة إسرائيليّة لمجرم حربٍ نازيّ ألمانيّ، كانت محاكمة "قضيّة كاستنر" مشهداً وطنيّاً جعلَها بدلاً من كونها مُحاكمة في قضيّة تشهيرٍ، محاكمة فاحصة لسلوك كاستنر خلال الحرب العالمية. وفي حزيران 1955، حكَمَ القاضي بنيامين هاليفي في صالح غرينوالد، واجِداً في عبارة فاوستيّة – نسبة إلى مسرحية فاوست للشاعر والأديب الألمانيّ الشهير غوته- صُلبَ حُكمه على كاستنر: "ولكنّ حذار من قُبول هدايا الإغريق. في قبول هذه الهديّة، كاستنر باعَ روحه للشَيطان". غير أنه في العام 1958 عادت محكمة العدل العليا في إسرائيل ونقضت حكم هاليفي وتضمّن حكمها نقداً لتحيّز هاليفي بقراءة المصادر التاريخيّة. لكنّ ذلك الحكم جاء متأخّراً؛ ففي العام 1957 اغتيلَ كاستنر أمام منزله من قبل المتطرّف اليمينيّ وضابط المخابرات السابق زئيف إكشتاين.

لم تكن قضيّة كاستنر تخصُّ كاستنر بعينه؛ بل كانت جزءاً من صراع اليهوديّ الجديد ضدّ قديم المباي، أو ما كان في نظر اليمين الصهيونيّ قديم المباي. فقد اتّهم غرينوالد وأنصاره ولا زال كثيرون حتّى اليوم في تيار اليمين السياسي يتّهمون الوكالة اليهوديّة بأنّها "اختارت" عدم التدخّل لإنقاذ حياة يهود أوروبا من النازية. وكانت هذه النظرية أساس كتاب "الغدر Perfidy’s"، لبن هيخت؛ الذي وضع كاستنر في القلب من مؤامرة الوكالة اليهودية على يهود أوروبا الذين تُركوا للذبح من أجل الحصول على قبول عالميّ للدولة الصهيونيّة في فلسطين.

تمكّن تامير، مُحامي غرينوالد، من ليِّ عُنق المحاكمة لتصبح محاكمة لكاستنر ولحزب المباي الحاكم في إسرائيل آنذاك. وبالموازاة مع اتّهام الوكالة اليهوديّة بـاختيار عدم التدخّل لإنقاذ حياة يهود أوروبا، كانت هناك نقاشات حادّة جارية داخل الييشوف - الكيان السياسيّ الذي كان مسؤولاً عن المستوطنين اليهود في فلسطين- حول العلاقة مع البريطانيين في فلسطين. وفي حين اختار المباي مساندة البريطانيين في حربهم ضدّ النازيّة، اعتقد اليمين الصهيوني أنّه لا بدّ من استكمال العمل العسكريّ ضدّ البريطانيين لإجبارهم على منح الحركة الصهيونية مطلبها المتمثّل في إقامة دولة يهوديّة في فلسطين. تمكّن تامير من خلقِ موازاةٍ ما بين قيادة المباي وما بين كاستنر بسبب انتماء الأخير لحزب المباي؛ مدّعيّاً أنّ كليهما فضّلا التفاوض والتعاون على "المقاومة" العسكريّة، وكان هذا الخيار على الدوّام كارثياً لأنّه كان السّبب وراء تسهيل عمليّة إبادة ملايين اليهود في أوروبا. كان على المحاكمة من وجهة نظر تامير أن تكون درساً للرأي العام الإسرائيليّ، درساً لتحذيره من أيّ مفاوضات براغماتيّة كان تُميِّزُ طِباع يهوديّ الشّتات. والآن، برأي تامير، على اليهوديّ الجديد رفضَ هذه السّلوكيّات، وكذلك رفض ونقد قيادة المباي التي أظهرت "ذهنيّة الشّتات". كانت المحاكمة دعوة للرأي العام لرفض المباي، وشرعنة اليمين الصهيونيّ كممثّل للصهيونيّة الأصيلة القادرة على حماية اليهود مستقبلاً من أيّ كوارث مشابهة لكوارث الماضي.

وضع اليمين الصهيونيّ قضيّة كاستنر في سياق الرّواية الأوسع التي تخصُّ التعاون ما بين المباي والنّازية، وتحديداً في سياق اتفاقيّة التعويضات الموقّعة بين إسرائيل وألمانيا الغربيّة العام 1953 والتي واجهت معارضة شرسة من قبل اليمين بقيادة من أصبح لاحقاً رئيساً لحكومة إسرائيل، مناحيم بيغن. ووجد اليمين في كاستنر انعكاساً لعدوّهم السياسيّ بن غوريون، زعيم حزب المباي، فالأخير قَبِل المال الملطّخ بالدّماء، والأوّل وفّره للألمان للحفاظ على حياته وحياة أقربائه.

نحن لا نفاوض، الكابو يفاوضون!

كان كاستنر في نظر اليمين الصهيوني، أو في نظر قاتله على الأقلّ، كابو، لا أكثر ولا أقلّ. والكابو Kapo، أو السّجين الموظّف، هو الوصف الذي كان يُطلق على السّجناء اليهود المتعاونين مع الضبّاط النازيين في معسكرات الاعتقال النازية. إذ كانوا يُكلَّفون بمهام الحراسة والرقابة على أعمال السّخرة، وبعضهم كان يتمادى في أداء مهامّه بحيث يمارس أفعالاً قمعيّة ساديّة، كضرب المعتقلين، إهانتهم أو جلدهم بالسّوط. وعادة ما كان يُنتقى الكابو من فئة المجرمين المدانين أو السجناء الذين يظهرون مشاعر ساديّة تجاه ممارسات التعذيب التي تُمارس على السجناء اليهود. وبداية من العام 1946، بدأت بعض العصابات اليمينيّة، خاصّة من بعض النّاجين من الهولوكوست، باستهداف كلّ يهوديّ كان يُعرف عنه تعاونه مع النازيين في معسكرات الاعتقال النازية. بعضهُم اغتيل، بعضهم الآخر تعرّض لمحاولات قتل في الشوارع وبعضهم الآخر لاعتداءات جسديّة بليغة.

بعد بضع سنوات، وتحديداً في العام 1950، استبدلت المحاكم الجنائيّة عصابات الشوارع بعد تمرير قانون العقاب الجنائيّ للنازيين والمتعاونين مع النازية. وفي ظلّ هذا القانون تمّت محاكمة اليهود الكابو وكذلك مسؤولي الغيتوهات اليهوديّة لجرائمهم ضدّ "الشعب اليهوديّ" وجرائمهم ضدّ الإنسانيّة.

كانت محاكمة كاستنر نُقطة فاصلة في تاريخ محاكمات المتعاونين مع النازية. ويعتقد ديفيد ميككس أنّ هناك سؤالاً لم يُطرح من قبل ظهر بعد تبرئة كاستنر من قبل محكمة العدل العُليا؛ وهو سؤال إن كان أصلاً من الممكن إدانة اليهود في عالمٍ نازيّ فيهِ كلّ شيء قُلِبَ رأساً على عقب، وأنّ عدم قدرتنا على فهم ذلك العالم الذي خلقه الألمان لليهود والذي كان فيه مجرّد العيش يعدّ جُرماً، ما يجعلنا قادرين على محاكمة من عاش في تلك الفترة وإدانة بعض سلوكيّاتهم.

يعتقد ميككس أنّ العالم الجهنميّ الذي خلقه النازيون لليهود في أوروبا من الصّعب العيش فيه من خلال مفاهيم صلبة كالخير والشرّ والتي من الممكن التّفكير من خلالها في الحياة المدنيّة السّلميّة. فتسليم الآخرين للموت خلال الهولوكوست، كان الطّريقة الوحيدة لإنقاذ الذّات، أو العائلة، أو الأصدقاء، وذلك كان روتينياً بالنّسبة لأفراد الشرطة اليهوديّة الذين سلّموا اليهود للنازيين مقابل العفو عنهم وأحياناً حتّى عن عائلاتهم.

في ذلك الإطار وُضِعَ كاستنر؛ في إطار الشخصيّة الأنانيّة التي فضّلت إنقاذ نفسها على الآخرين، وفي الإطار نفسه وضع اليمين الصهيونيّ حزب المباي والوكالة اليهوديّة وكلّ مؤسسة صهيونيّة لم تُحاول إنقاذ اليهود في أوروبا بأيّ طريقة ممكنة. بالنّسبة لغرينوالد وأنصاره حتّى اليوم؛ ذلك كان النّهجُ اليساريّ الإسرائيليّ، نهجُ المفاوضة والمهادنة الذي مثّله لاحقاً العام 1993 إسحاق رابين واغتيل بسببه، وذلك أساس نهجُ اليمين الصهيونيّ في إسرائيل اليوم بما يتعلّق بملف الاستيطان والفلسطينيين؛ لا تفاوض، على الإطلاق، لا شيء على الإطلاق.

يسار جديد، يمين قديم!

شكّل كاستنر موضوعاً جدليّاً ما بين اليسار واليمين في إسرائيل على مدى الـ75 عاماً المنصرمة، لكنّ الجدل عاد ليتجدد مرّة أخرى بعدما قبلت مؤسسة "ياد فشيم" الخاصّة بإرث الهولوكوست العام 2007 وللمرّة الأولى أرشيف عائلة كاستنر كجزء من أرشيف الهولوكوست. ولاحقاً مع صدور الفيلم الوثائقي Killing Kasztner العام 2008. ولكنّ ذروة الجدل كانت بعد انتخاب ميراف ميخائيلي، حفيدة رودولف كاستنر، العام 2013 عضواً في الكنيست عن حزب العمل الإسرائيلي، ولاحقاً العام 2021 رئيسة للحزب نفسه.

في خطابها الأوّل أمام الكنيست بعد انتخابها، رأت ميخائيلي أنّ هناك رابطاً مباشراً ما بين التشكيك في دوافع جدّها وما بين الهجوم اليمينيّ على اليسار الإسرائيليّ: "هو أنقذ اليهود بطريقة قد تبدو للبعض غير ملائمة، وليست يهوديّة كفاية، وليست صهيونيّة كفاية. أنا أنحدر من عائلة مؤسِّسة، ولكنّها ليست كلِّياً من التيّار المهيمن، وليست جزءاً من الإجماع... من المعتاد إسرائيلياً أنّ أيّ نقدٍ للدولة أو للطريقة التي نتصرّف فيها ينظرُ إليه على أنّه فعلٌ من أفعال الخيانة".

سرعان ما أصبحت ميخائيلي بعد خطابها وظهورها كيساريّة علمانيّة عدوّاً للجناح اليميني الدينيّ في إسرائيل؛ وقد أثار تبنّيها لإرث جدّها وقصّته صحوة شعبيّة مناهِضة لكاستنر وموظِّفة إيّاه في سياق السّياسة الإسرائيليّة الرّاهنة. عاد كاستنر إذاً ليكون في القلب من الفَصْلِ القائم بين اليمين الشُّجاع واليسار الضّعيف. ميخائيلي وازَت ما بين النقد الذي وجّه لجدّها وما بين مواضيع السياسة الحاليّة في إسرائيل؛ فمنتقدو كاستنر لم يهتمُّوا بولائه لليهود، ولم يهتمّوا بإنقاذه لبعضهم، ولكنّهم فقط حاكموه لأساليبه التي تخرجُ عن إجماع التيّار السائد في المجتمع الإسرائيليّ آنذاك. كانت ميخائيلي تلفتُ النّظر إلى موقع اليسار حالياً في السياسة الإسرائيلية، في مجتمع تتصاعد فيه القوميّة والسّياسة اللاتفاوضيّة التي تنسجمُ والإجماع السائد في المجتمع الإسرائيليّ. وقد عادت مرّة أخرى العام 2019 في تعقيبها على مقالٍ نقديّ لكاستنر عبر موقع تويتر لتفتعل ربطاً ما بين الهجوم عليها في الحاضر والهجوم على جدّها في الماضي: "قُتل كاستنر في دولة إسرائيل رغم أنّه أنقذ يهوداً. وقد قُتِلَ بعد حملة تحريض سياسيّة قاسية، لصالح قوى سياسيّة مسيانيّة يمينيّة خطيرة؛ أنا فخورة بكوني حفيدة يسرائيل كاستنر".

وضعت ميخائيلي كاستنر إذاً موضع "الشهيد"، الذي قُتل وحُوكِمَ رغم ولائه لليهود ولدولة إسرائيل التي لم تكن قادرة على حمايته من التطرّف اليمينيّ؛ في إشارة ربّما إلى وضعها الحاليّ في دولة تعجُّ بالمتطرّفين والمستوطنين وفي ظلّ خروجها - أو ما تراه هي خُروجاً- عن الإجماع الصهيوني الإسرائيلي.

يعود كاستنر إذاً إلى المشهد الإسرائيليّ ولكن بعد تأويله وتأويل تاريخ "الضحايا المجرمين" اليهود من خلال أيديولوجيا الحاضر، وهي عمليّة تأويليّة كاشِفة عن نمطٍ ثابت في أيديولوجيا اليمين الصهيونيّ عندما يتعلّق الأمر بعلاقة اليهود بالآخر، نازياً كان أم بريطانياً، أم فلسطينياً، وهو النمط القائم على القوّة أوّلاً - كما في "مقالة الجدار الحديدي" لزئيف جابوتنسكي- وعدم التفاوض المُطلق.

مراجع:
Rudolph Kastner and how History becomes Midrash, Chesky Kopel, The Lehrhaus, December 29, 2019.
Kapos: Can Jews be found guilty of partnering with Nazis? David Mikics, The Tablet.
Guest Contribution, “Judging Evil in the Trial of Rudolph Kastner”, History Cooperative, November 22. 2016.
The “strange Mr. Kastner”- Leadership ethic in Holocaust-era Hungary, in the light of grey zones and dirty hands, Paul Sanders, Leadership Vol. (12)1 4-33, 2015.




الأربعاء، 5 يونيو 2024

التزوير الصهيونيّ لأحداث «الفرهود» وتهجير اليهود العراقيّين.

 

كتب علاء اللامي :


عوّدنا الإعلام الصهيوني على إطلاق الكذبة وتكرارها حتى يصدّقها هو قبل غيره. واحدة من أشهر أكاذيب هذا الإعلام، والتي شاركت في تسويقها وزارة خارجية الكيان الصهيوني هي ما سُمّي "الفرهود"، أي حوادث النهب والاعتداء التي تعرّض لها اليهود العراقيون في بغداد في شهر حزيران / يونيو 1941. وكنت قد استعرضت تحليلياً هذا الموضوع في مقالة منفصلة نُشرت في إصدار شهر كانون الأول / ديسمبر 2020 من مجلّة "الآداب"، وفي هذه المقالة نستكمل الحديث عن حيثيات أخرى ذات صلة بشيء من التفصيل:جاءت تلك الأحداث المؤسفة كردّ فعل على سحق قوات الاحتلال البريطانية للانقلاب العسكري الذي قاده السياسي رشيد عالي الكيلاني وحلفاؤه العسكريون "العقداء الأربعة" الذين سيتمّ إعدامهم بعد سنوات قليلة وإسقاط "حكومة الإنقاذ الوطني" التي شكّلوها. بمعنى أنّ هذه الحوادث وقعت خلال ما يُسمى "الاحتلال البريطاني الثاني لبغداد" في حزيران / يونيو 1941، وليس خلال حكم الكيلاني والعقداء الأربعة. وقبل ذلك بعام ونصف عام، شهدت بغداد تظاهرة صاخبة عام 1939 حمل المشاركون فيها السيوف والخناجر بعد الإعلان عن مقتل الملك ذي النزعة الاستقلالية غازي الأول، والذي اعتبره العراقيون حادثاً مدبّراً واغتيالاً سياسياً من قبل البريطانيين وعملائهم في الحكم الملكي الهاشمي في العراق للملك. وقد وثَّق مصوِّر فوتوغرافي أجنبي هو بيرند لوسي (Bernd lohse) عام 1939 وليس عام 1941، ونُشرت الصورة في جريدة برلين المصوّرة (berliner illustrirte zeitung)، وكّتب عليها التعريف التالي باللغة الإنكليزية «المملكة العراقية: تظاهرة علنية لرجال ضد الدكتاتورية الفرنسية والبريطانية». ولكنّ وزارة الخارجية في الكيان الصهيوني حرَّفت من قبل موضوع الصورة ونشرتها على موقعها على الإنترنت بعدما عرّفتها بالمعلومة الكاذبة التالية: «صورة نادرة للفرهود في بغداد عام 1941... اليهود من فوق بيوتهم ينظرون إلى المسلمين وهم يحملون الخناجر واليرق؟ والعصي التي فتكوا بها باليهود».
عائلة يهوديّة في بغداد 1910 

من الواضح، لمن زار بغداد أو شاهد صوراً عن شارعها الشهير «شارع الرشيد» أنّ الصورة موضوع الحديث التُقطت في هذا الشارع فعلاً. ولكن اليهود - وهنا ينكشف لنا تزوير الصورة المذكورة - لم يكونوا يسكنون في هذا الشارع أو في المنطقة التي يمر بها أو ينتهي إليها عند ساحة «الميدان»، بل كان لهم شارع تصطف منازلهم على جانبيه يدعى «عقد اليهود» في منطقة البتاويين البعيدة عن «شارع الرشيد». ثمّ إنّ الواقفين على الشرفات في الصورة ومعهم نسوة كثيرات، هم متفرّجون وبعضهم يصفق للمتظاهرين، كما نشاهد رجلاً يضع عمامة سوداء من النوع الذي يضعه رجال الدين المسلمون الشيعة. ومعروف للعراقيين أنّ اليهود سكنوا في حي يدعى «حي التوراة» بالقرب من «شارع الكفاح» في حي «قنبر علي» منذ العهد العثماني. وكانت لليهود مقبرتان: الأولى، وهي القديمة في منطقة «النهضة»، والثانية في أطراف مدينة الثورة - الصدر، وأقيمت كبديل لمقبرة «النهضة» التي داهمها النمو العمراني لبغداد ولإقامة أبراج المواصلات هناك، وتضمّ المقبرة الجديدة زهاء أربعة آلاف قبر لليهود ولها حارس مُعيَّن من الدولة حتى الآن. ونقرأ في تقرير صحافي نُشر في حزيران / يونيو 2017 لقاءً مع حارس المقبرة اليهودية ورد فيه «يقول حارس المقبرة زياد محمد فاضل البياتي: أنا أعمل هنا منذ عام 1980 بعدما ورثت العمل عن والدي، الناس هنا يحترمون هذا المكان وخاصة أنه يضمّ آلاف الأموات، والمسلمون يحترمون كرامة الإنسان في حياته ومماته، ولم يحاول أحد أن يقتحم المقبرة أو يدخلها عنوة، لكنّ الجنود الأميركيين في عام 2003 ضربوا جدار المقبرة بالدبابات وأحدثوا فيه ضرراً بالغاً» (1).
نحن هنا، لا ننفي وقوع حادثة الفرهود المحزنة والمدانة، والتي حرَّضت على القيام بها حكومة النظام الملكي وعملاء «المنظمة الصهيونية العالمية» سلف «الموساد الصهيوني» واندسّ فيها عناصر متطرّفون ومشاغبون ومشبوهون بهدف إرعاب اليهود العراقيين ودفعهم إلى الهجرة الجماعية إلى فلسطين المحتلّة لدعم الوجود الصهيوني الهشّ هناك، وفق خطة صهيونية مسبقة شملت العراق والمغرب واليمن. لنقرأ هذه الخلاصة التي كتبها الروائي اللبناني إلياس خوري في مقالة له بعنوان «من قتل المهدي بن بركة - كيف مهّدت إحدى أكبر الجرائم السياسية للتطبيع المجاني الحاصل حالياً بين دول عربية وإسرائيل؟»، كتب «الحكاية بدأت بعد موت الملك محمد الخامس، وتسلم الحسن الثاني العرش عام 1961. ففي الفترة الممتدة بين تشرين الثاني / نوفمبر 1961، وربيع 1964، أُنجزت العملية التي يطلق عليها الإسرائيليون اسم «عملية ياخين». وعملية «ياخين» هي جزء من سلسلة عمليات كان هدفها تهجير اليهود العرب: فكانت عملية «بساط الريح» في اليمن 1949 - 1950، وعملية «عزرا ونحميا» في العراق 1950 - 1952، و«ياخين» في المغرب. هذه العمليات الثلاث تمّت بالتواطؤ والتعاون مع حكام هذه الدول، وكان لا بدّ من اليهود العرب لسدّ النقص الديموغرافي اليهودي في إسرائيل. هذه العمليات الثلاث كانت التطبيع الذي مهّد للتطبيع الحالي، لأنّها كشفت أنّ الأنظمة الاستبدادية ساهمت في تأسيس دولة إسرائيل، وكانت شريكاً للصهيونية في طرد الفلسطينيين من أرضهم، وفي تأسيس ثنائية الاستبداد - الاحتلال التي تهيمن على العالم العربي / موقع صحيفة "السفينة" عدد 24 آب / أغسطس 2020). بل نحن نحاول أن نضع أحداث الفرهود والتهجير القسري لليهود العراقيين في سياقها التاريخي الحقيقي لنكشف واحدة من هذه الأكاذيب والمبالغات الكثيرة التي يكرّرها الإعلام الصهيوني والمحازبون له من دون تدقيق. وسيكون من العبث واللاجدوى الوصول إلى أرقام دقيقة أو حتى قريبة من الصحة لعدد القتلى والجرحى، ولكنّنا يمكن أن نقترب من أرقام تقريبية بمقارنة أرقام الطرفين العراقي الحكومي واليهودي العراقي، ونقول إنّ القتلى كانوا بالعشرات. ومن تقرير «لجنة التحقيق بحوادث يومَي 1 و2 حزيران / يونيو من عام 1941 بناءً على قرار مجلس الوزراء الصادر يوم 7 حزيران / يونيو 1941م، وكانت برئاسة السيد محمد توفيق النائب وعضوية كلّ من ممثل وزارة الداخلية السيد عبدالله القصاب، وممثل وزارة المالية السيد سعدي صالح، وعقدت اللجنة اثنتي عشرة جلسة، نعلم أنّ عدد القتلى كان 110 قتلى بينهم بعض المسلمين الذين هبّوا لحماية اليهود، وعدد الجرحى مئتان وأربعة جرحى. ولكن رئيس الطائفة اليهودية - أو الطائفة الموسوية كما تسمّى في العراق-  الحاخام ساسون خضوري والذي بقي في العراق حتى وفاته في بغداد عام 1972، فيذكر أنّ عدد القتلى والجرحى أكثر ممّا ذكرته اللجنة التحقيقية الحكومية، ولكنّه لا يقدّم أرقاماً بديلة محدّدة. ومن المرجّح أن تكون الأرقام الحقيقية للقتلى والجرحى أكبر ممّا ذكرته اللجنة، أمّا حالات الاغتصاب فقال الحاخام خضوري إنّها لم تتجاوز الثلاث أو الأربع حالات.

إنّ السياق الذي اشتغل عليه الإعلام الصهيوني يحاول أن يجعل هجرة اليهود العراقيين في الخمسينيات من القرن الماضي نتيجة لعمليات النهب والاعتداء التي تعرّضوا لها خلال «الفرهود»، وهذا غير صحيح تماماً من حيث الدوافع والسياق والتوقيت. فأحداث الفرهود التي بولغ في تفاصيلها وأعداد ضحاياها كانت حملة مخططاً لها مسبقاً من المنظّمة الصهيونية العالمية حيث استغلّت الفورة الشعبية للعراقيين ضد أحداث قمع البريطانيين للانقلاب العسكري الاستقلالي بزعامة الكيلاني ورفاقه، وقام عملاء الصهيونية بعمليات إجرامية كثيرة من تفجيرات وقتل ضد اليهود العراقيين أنفسهم، لكي تتفاقم حالة الفلتان والاضطرابات. ثمّ جاء تعاون السلطات الملكية الجديدة الموالية لبريطانيا مع حكومة بن غوريون بواسطة عميل الموساد شلومو هيلل ليتحقّق الهدف من هذه الفتنة ويتمّ تهجير اليهود وإسقاط جنسيّتهم العراقية بعد سنوات قليلة.
من الكتّاب اليهود الذين تناولوا حدث الفرهود وتهجير اليهود العراقيين بموضوعية وإنصاف، الباحثة إيلا شوحط - الأستاذة في جامعة نيويورك وهي من أصول عراقية يهودية- والتي تساءلتْ في دراسة لها، وكنتُ قد توقّفت عندها مفصّلاً في مقالة أخرى نُشرت في مجلة «الآداب» إصدار كانون الأول / ديسمبر 2020، تساءلت: «حتى لو أنّ أعداداً متزايدةً من اليهود في بلدانٍ كالعراق عبّرتْ عن رغبتها بالذهاب إلى إسرائيل، فإنّ السؤالَ هو: لماذا، وبشكلٍ مفاجئ، وبعد ألف عامٍ من غياب مثلِ هذه الرغبة، يريد هؤلاء تركَ حيواتِهم في العراق والمغادرةَ بين عشيّةٍ وضُحاها؟» (2).
وقد سجّلت شوحَط إدانتَها لمحاولات الصهاينة دمجَ «المسألة العربيّة - اليهوديّة بالمحرقة؛ ومثالٌ على ذلك الحملةُ التي أُطلقتْ لإدخال الفرهود ضمن برامج متحف المحرقة التذكاريّ في الولايات المتحدة». وتضيف أنّ إدانةَ العنف الذي مورِس ضدّ اليهود خلال الفرهود يجب ألّا يُستغلَّ «لمساواة العرب بالنازيّين، وتكريسِ السرديّة المزوّرة حول العداء الإسلاميّ الأبديّ للساميّة». وتمضي شوحَط أبعدَ من ذلك، فتتّهم الخطابَ الأورومركزيّ بإسقاط تجربة إبادة اليهود في أوروبا على ما حدث في العراق، مسجّلةً «أنّه خلال أعمال الفرهود حمى بعضُ المسلمين جيرانَهم من اليهود»، وأنّ أقلّيّةً من اليهود بقيتْ رغم الفرهود وبعد التهجير الجماعيّ في وطنهم العراق. ومن أسباب بقاءِ هؤلاء، في رأي شوحَط، «أنّهم اعتبروا أنفسَهم عراقيّين أوّلاً وأساساً، و/أو لأنّهم اعتقدوا بأنّ هذه عاصفةٌ ستمرّ، و/أو لأنّهم، ببساطة، لم يشاؤوا أن ينسلخوا عن حيواتهم».
مقارنة بما كتبته الكاتبة اليهودية شوحط، تبدو محاولة الشيوعي العراقي «السابق» كاظم حبيب، لمقاربة وتحليل حدث الفرهود غير متوازنة وسطحية ولا تخلو من تملّق الكيان الصهيوني ومؤسّساته الإعلامية والسياسية والأمنية، ولهذا السبب بالضبط بادرت وزارة الخارجية الصهيونية فنشرت فقرات إضافية من دراسته ضمن مقالة إطرائية بقلمه أيضاً حول مذكّرات الكاتب الإسرائيلي من أصل عراقي شموئيل موريه على موقعها الرسمي بتاريخ 25 نيسان / أبريل 2015، وفيها يؤكّد حبيب أنّ موريه الذي «أُجبر على الهجرة إلى إسرائيل يحبّ بلده إسرائيل ودولته، سواء أكان موافقاً على سياسات الدولة وحكوماتها المتعاقبة أم اختلف ويختلف في بعض منها ومع هذه الحكومة أو تلك. وهو أمر طبيعي لكي لا يذهب بالبعض منّا تصوّر خاطئ، وأعني بذلك أنّ حبه لبغداد وأهل العراق يجعله ضد إسرائيل أو غير محبّ لها»، ولن نجد وصفاً آخر لكلام حبيب هذا غير الترويج للصهيونية والمواطنة الإسرائيلية.
في مقالته تلك، يبرّئ حبيب أطرافاً أخرى من مسؤولية ما تعرّض له اليهود العراقيون من قمع وتهجير قسري، ومن هذه الأطراف الأحزاب الكردية وزعاماتها التي عُرف كاظم حبيب بارتباطاته النفعية بها، وبدفاعه المستميت عنها في ذروة ارتباطها بإسرائيل خلال محاولتها الانفصالية في أيلول / سبتمبر 2017. عنوان المقالة التي نشرها حبيب يقول كلّ شيء منذ البداية فهو «حركة شباط - مايس 1941 الانقلابية والفرهود ضدّ اليهود) (3).
وكنت قد أوردت فقرة قصيرة من قراءتي النقدية هذه، في الجزء الأول الذي نُشر من هذه الدراسة في موقع مجلة «الآداب»، فردّ حبيب بثلاثة مقالات مطوّلة، أخفق فيها - للأسف - في الرد المباشر على ما أثرته من أسئلة وتساؤلات وأوردته من وقائع وأدلّة واقتباسات من كتب ومقالات ووثائق. أما عن نقدي له بسبب سكوته على دور الأحزاب والزعامات الكردية في تهجير يهود العراق فقد كتب «يبدو أنّ علاء اللامي مولع جداً باتهام الكرد والأحزاب الكردية في المساعدة في تهجير من تبقّى من يهود العراق إلى إسرائيل، وهو منطلق قومي، ينسى فيه كلية الدور الأساسي والرئيسي لحزب وحكم البعث، وكذلك القوى القومية اليمينية المتطرّفة ابتداءً من عام 1963 وما بعده»، ولكنّه يعود فيعترف بدور الأحزاب والزعامات الكردية في تهجير اليهود فيكتب «ومع أنّ معلوماتي عن هذا الموضوع شحيحة، ولهذا لا أستبعد صواب ما نقلته الكتب الصادرة في إسرائيل عن مشاركة الكرد في تسهيل مهمة نقل اليهود إلى خارج العراق». وعن الوثائق والكتب والمقالات التي كتبها إسرائيليون رسميون أو باحثون غير رسميين وأكدوا هذا الدور أو اتهموا الموساد والمنظمة الصهيونية صراحة بالتورّط في مؤامرة تهجير اليهود، فحبيب يشطب عليها جميعاً ويكذّبها كلّها ثم يستدرك ويؤكد صحّة بعضها فيكتب «لا أثق بالمعلومات التي تنشرها إسرائيل أو جهاز الموساد، فهم غالباً ما يمنحونه قدرات خارقة ونشر الأساطير عن أفعال هذا الجهاز في الخارج. ولكن ليس كلّ ما ينشرونه من هذا النوع كاذب، فبعضه يتضمّن حقائق، منها ما أشير إليه من أفعال المنظمات الصهيونية الموجهة من الموساد في العراق)، فكيف السبيل لمناقشة نصوص زئبقية كهذه تقول الشيء ونقيضه في عبارة واحدة؟
خلاصة القول هي أنَّ مأساة اليهود العراقيين، جزءٌ لا يتجزّأ من المأساة الأكبر التي تسبّبت بها الحركة الصهيونية العنصرية العالمية، ودفع أغلى أثمانها الشعب الفلسطيني، أما الجزء الخاص بالعراقيين اليهود، واليهود العرب عموماً، فيختلف في التفاصيل والسياق عن الأذى الذي تعرّض له يهود آخرون في بلدان أخرى. إذْ أنَّ حالة اليهود العراقيين، تختلف بعمق عن حالة يهود آخرين أقاموا لزمن معيّن في بلدان أخرى، والسبب هو أنّ اليهود وُجدوا في العراق منذ السبي البابلي قبل أكثر من ألفين وخمسمئة عام، أي أنّهم مواطنون راسخو المواطنة والهوية العراقية، ويختلفون تماماً عن اليهود الآخرين، ربما باستثناء الأقلية اليهودية التي بقيت في فلسطين قبل احتلالها وإنشاء الكيان الأيديولوجي الخرافي "إسرائيل" من قبل الحركة الصهيونية العالمية، والأكيد أنّ تهجير اليهود العراقيين بعد تلك المؤامرة اللاإنسانية قد ترك جرحاً غائراً في أرواح ضحاياها الذين لم يبقَ الكثيرون منهم على قيد الحياة، وفي الوقت ذاته في عمق الهوية الوطنية العراقية القائمة منذ القِدَم على التنوّع والتعدّدية. 
*كاتب عراقي 

مراجع:
[1] -جريدة «الصباح» العراقية الرسمية عدد 8 تشرين الأول / أكتوبر 2019
[2]- إيلا شوحط، «سبعون سنةً على رحيل يهود العراق»، نقلها من الإنكليزيّة: وفيق قانصوه، موقع مجلّة orientxxi القسم العربيّ، عدد 22 تشرين الأوّل / أكتوبر: https://orientxxi.info/magazine/article4231
[3] -كاظم حبيب - حركة شباط - مايس 1941 الانقلابية والفرهود ضد اليهود – موقع «doxata.com» القسم العربي بتاريخ 2 حزيران / يونيو 2011. يقول الكاتب إنّ هذه الدراسة جزء من كتاب «محنة يهود العراق».






الأربعاء، 22 مايو 2024

هل كان السلطان محمد الفاتح شاذ جنسيا ؟.


 هذه المعلومة ليس لها أي مصدر تاريخي محترم إلا مؤرخ بيزنطي كان يعيش داخل القسطنطينية وقت أن فتحها السلطان محمد الفاتح .

ولكم أن تعلموا أن المصادر اليونانية مثلها تماما مثل المصادر (الىهودىه) حين تتحدث عن الإسلام نظرا للعداء الشديد منذ فجر التاريخ بين الحضارة اليونانية والإسلامية عامة والعثمانية خاصة ومحمد الفاتح على خصوص الخصوص !.
أول من ذكر هذه الفرية هو المؤرخ البيزنطي ( لاونيكوس تشالكوكونديليس ت 1470م ) مواليد اثينا عاصمة اليونان .
كان والد المؤرخ ( لاونيكوس ) إسمه ( جورج تشالكوكونديليس) يشارك في حكم اثينا مع عائلة ( أكشياجولي الفلورنسية ) وبينهما مصاهرة ونسب .
بين سنة 1421م وسنة 1451م حاول جورج والد المؤرخ المذكور أن يزور (السلطان مراد الثاني ت 1451م) لأجل التفاوض معه على إعادة حكم أثينا إليه هو وأرملة حاكم أثينا الفلورنسي السابق بالإشتراك .
وكان بينه والأرملة علاقة غير شرعية .
السلطان مراد الثاني قام بسجنه وقام بنفي عائلته كلها من أثينا سنة 1435م .
بينما هرب المؤرخ المذكور إلى حاكم القسطنطينية وظل معه حتى سقوط المدينة .
قام بعد ذلك ومن منطلق العداء القديم مع الدولة العثمانية بذكر هذه النواقص وأكثر منها في السلطان محمد الفاتح والدولة العثمانية عموما حيث كان هذا الفعل وقتها فعل مشين لكنه اليوم عند اليونان وكنيستها هو فعل بل حق من حقوق الإنسان المسيحي عموما .
المصدر الآخر لــ سامح عسكر هي مذكرات جندي صربي كان أسير لدى السلطان الفاتح ثم هرب إلى صربيا وكتب مذكراته وذكر فيها هذه النقيصة !.
إسمه ( كونستانتين ميهايلوفيتش ) وهو مواليد عام 1430م نفس عام ولادة المؤرخ صاحب الكذبة المذكورة .
مصدر آخر لسامح عسكر هي الإنجليزية ( الليدي ماري وورتلي مونتاجو ) زوجة سفير بريطانيا في الدولة العثمانية نهاية القرن الــ 18 ونقلت معلوماتها عن نفس المصادر اليونانية والصريبية بصيغة (يقال ) أي أنها غير متأكدة !.
يذكر أن ( الليدي ماري وورتلي مونتاجو ) هي التي سرقت طريقة علاج مرض الجدري من الدولة العثمانية إلى بلادها ثم تمت نسبته بعد ذلك إلى الطبيب الإنجليزي ( إدوارد جينر ) .
ولكي تعلموا أن القصة كلها لها أغراض أخرى غير البحث العلمي لكم أن تعلموا أن هذه الكذبة رددها أحمد موسى مع سامح عسكر مع موقع الأقباط متحدون مع مواقع العيال الشِمال كلها في نفس التوقيت !.
وسامح عسكر مشهور جدا أنه لا علاقة له بالبحث العلمي المحترم, بل مثله تماما مثل أحمد عبده ماهر وإسلام بحيري ويوسف زيدان وإبراهيم عيسى وفاطمة ناعوت وهم جميعا من مدرسة نوال سعداوي والباقي مفهوم .
فهل يؤخذ من هؤلاء تاريخ أو حاضر يا كرام ؟!.

السبت، 4 مايو 2024

نبي الله يوسف والهكسوس العرب .

 يقال أن الملك الذي كان في زمن يوسف عليه السلام كان إسمه (الريان بن الوليد ).

وهذه من وجهة نظر تاريخية ليس أكثر .
ويقال أنه آمن على يد يوسف وقيل على يد يعقوب لاحقا -عليهما السلام .
وكان الوليد بن الريان من ملوك دولة الهكسوس العماليق التي دامت قرابة 200 سنة على حكم مصر .
وكان الملك الريان ملك يحب العدل جدا ويطبقه وبرغم المجاعة التي ضربت العالم وقتها إلا أن عدله ووزيره يوسف عليه السلام قد حل الرحمة والسلام على كل شعب مصر وشعب الشام .
وقالوا أن الملك الموحد (الريان بن الوليد ) من ملوك الهكسوس وأن الهكسوس من عرب الشام .
كان الريان أو (خيان) بالكنعانية القديمة - ملكا كبيرا وقويا وكان له علاقات قوية وتجارية مع بابل وأراضي الشام وكانت مملكة الهكسوس قد أزدهرت في عصره وكان قد حكم مصر ٥٠ عام وشهر واحد وقمع الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر وهو الذي تسميه العرب بالريان بن الوليد وتنسبه للعماليق.
وكان الهكسوس أهل مدنية وعلم وفنون عظيمة .
وقد نقلوا الكثير من الحضارة والرقي إلى شعب وادي النيل .
حيث لم يكن يعرف الفراعنة الحصان قبل قدوم الهكسوس, وربما كانوا يستخدمون البغال والحمير .
ولأول مرة إستخدم الفراعنة (العجلة الحربية) عن طريق الهكسوس, وكان غالب جيش الفراعنة من المشاة فقط .
وايضا نقلوا عنه نوع أكثر حضارة من الاقواس والتي كانت ترمي لمسافة أبعد ودقة أكثر .
وأيضا تعلم الفراعنة منهم إستعمال السيف المقوس أو المنحني .
وتعلموا منهم الكثير من الأمور ومنها بالطبع طريقة تخزين الحبوب وتوصيل المياه إلى منطقة حكم الملك الريان ويقال أنها مكان وادي الريان حاليا في الفيوم ويقال أيضا أن الفيوم هي التي بناها نبي الله يوسف عليه السلام زمن الملك الريان .
وقرأت أن السيدة آسيا بنت بنت مزاحم بنت عبيد بن الوليد بن الريان - رضي الله عنها - أي أن جدها كان الملك الموحد الريان بن الوليد رحمه الله .
ولم يكن الهكسوس قوم همج كما صورهم المزورين للتاريخ, بل كانوا في الغالب أهل توحيد وربما لذلك حاربهم فراعنة مصر ليس لإسترداد الأرض منهم ولكن لأن التوحيد في مصر سوف يقضي على ملك الفراعنة عباد الأوثان .
وقرأت أن يوسف عليه السلام مات قبل موسى عليه السلام بوقت ليس بطويل .
وأكرر : كل هذا من وجهة نظر تاريخية ليس أكثر .
وللحديث تتمة …………
.
.
المصدر : موسوعة د. سليم حسن ج4 .
كتاب فرعون ذو الأوتاد - أحمد سعد الدين .
[Weigall, Arthur E. P. Brome (2016). A History of the Pharaohs. Cambridge University Press. p. 187 - 188 - 189]
[Jump up to: "Statue British Museum". The British Museum.]

صلاح الدين من أصل عربي وليس كردي .

 قال المؤرخ ( شَمْسْ اَلدِّينْ بْنْ خِلِّكَانْ ت 672هــ ) أن صلاح الدين الأيوبي اصله عربي من قبيلة ( مُضَر ) العربية .

وهي قبيلة عربية عدنانية حجازية شمالية، تُنسب إلى مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، الجد الجاهلي الأول، أمَّا بنوه فهم أهل كثرةٍ وغلبةٍ في الحجاز من دون سائر بني عدنان، وكانت الرِّياسة لهم في مكة.
وقال ابن واصل المازني التميمي مؤرخ دولة بني أيوب ت 697هــ في كتابه ( مفرج الكروب في دولة بني ايوب ) أن نسب بني أيوب ينتهي إلى العرب .
وذكر أن جماعة من بني أيوب أنكروا نسبتهم إلى الكرد وقالوا بل نحن عرب نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم.
وقال الملك المعز إسماعيل بن سيف الإسلام ظهير الدين بن طغتكين أن بني أيوب يعود نسبهم إلى الأمويين .
وفي كتاب النجوم الزاهرة يكرر إبن تغري بردي الأتابكي ت 874هــ - أن نسب بني الايوب عربي أموي .
ولمن يريد مصادر أكثر وموثوقة يعود إلى كتاب (عروبة العلماء المنسوبين إلى البلاد الأعجمية في المشرق الإسلامي ) - د. ناجي معروف .

الأحد، 4 فبراير 2024

رد فعل صلاح الدين الأيوبي على قطاع الطرق الصليبيين وهو طفل !

 

كان صلاح الدين في عمر 11 سنة يتجه في قافلة من تكريت إلى حلب مع خادم وبعض الجنود لحراسة القافلة .
ولاحظ صلاح الدين أو يوسف كما كان إسمه وهو صغير أن القافلة تسير ببطء , فسأل الخادم فقال له أن هذه المنطقة بها قطاع طرق , فتعجب يوسف وقال :
كنت أحسب خالي "أسد الدين شيركوه" قد قضى عليهم .
فقال له الخادم :
خالك مشغول بقتال الصليبيين من فلسطين والشام .
وفجأة ظهر أمامهم مجموعة من الجنود الصليبية بملابسهم المعروفة والصليب عليها.
طلب رئيس قطاع الطرق الصليبي من القافلة أن تتوقف وقال لهم :
أنتم في أرض صليبية وعليكم أن تدفعوا الجزية وسوف نصادر نصف بضاعة القافلة !
فقال له رئيس القافلة وكيف ندفع جزية ونحن في أرض السلطان "نور الدين" بل عليكم انتم دفع الجزية ! ,فرد عليه الجندي الصليبي ساخرا :
إذا كنت في أرض السلطان نور الدين فعليه أن يأتي ليحميك ورفع سيفه وضرب شيخ القافلة على كتفه فأدماه ! ,وقال الصليبي :
سوف نصادر كل القافلة وسيدفع كل واحد عشرة دنانير كاملة ! , وقال كل من يدفع الدنانير عليه أن يمر منحنيا من تحت هذا الرمح وقام بعمل بوابة بثلاثة رماح وكل ما مر واحد ينزل الرمح العلوي مسافة معينة حتى يمر المسلم وهو منحني فيكون قد دفع الجزية وتم إذلاله أيضا !!!
ظل صلاح الدين يتأمل رجال القافلة وهم ينحنون ويدفعون الدنانير والجنود يضحكون في سخرية من ذلهم وهمس الخادم ليوسف أن لا يكشف عن حقيقة قرابته للسطان وإلا أسره الجنود أو قتلوه لأن خاله شيركوه يقاتلهم في كل مكان .
وطلب الصليبي من صلاح الدين وخادمه دفع الجزية والإنحناء فرفض صلاح الدين فتوجه الجندي بحصانه باندفاع نحوه مهددا إن لم يدفع وينحني يقتله فوقف صلاح الدين في وجه الحصان المندفع بقوة ولم يتحرك وهو ينظر بشرر في عين الجندي .
رفع الجندي سيفه كانه سيقتله ,, فلم يتحرك يوسف من مكانه ولا من النظر بشرر إلى عين الجندي الصيبي !
فأنزل الصليبي سيفه وقال للغلام :
أنت لست خائفا مني ... إنني لم أر غلاما مثلك من قبل ... كان يجب أن أقتلك في الحال ... لو أن غلمان المسلمين مثلك هكذا ما إستطعنا البقاء في هذه البلاد ... ولكنني لا استطيع أن أقتل صبيا لا يحمل حتى سكينا في يده !
وحاول الفارس ان يستجمع كرامته تحت إلحاح شيخ القبيلة بالعفو عنه لانه صبي لا يدرك أفعاله وقال : سوف يدفع هذا الصبي وحده 20 دينار.
ووافق الخادم ودفع 30 دينار عنهما وإنصرف الصليبي الى باقي قطيعه الذي يبلغ العشرات وغابوا عن الأعين !
كان يوسف واقفا في مكانه وأتى جميع افراد القبيلة وكانهم يحتمون بشجاعته !
ومن هذا الموقف علم الغلام صلاح الدين الناس كيف يقاوم الصليبيين وكيف يطردهم من بلاده ... لقد أصبح يوسف فارسا شجاعا هو ( صلاح الدين الأيوبي ) بعد أن أصبح سلطانا على مصر ... ووحد كلمة المسلمين وخاض ضد الصليبيين 25 موقعة كان أكبرها موقعة "حطين" العظيمة التي أعاد بها بيت المقدس إلى أحضان الأمة وجعل فرسان الصليب يدفعون الجزية ويخرجون من المدن ورؤسهم محنية من بوابات بيت المقدس !.
الأمة التي أنجبت صلاح الدين لن تعجز أن تنجب آلاف مثله ... بشرط أن تتوفر الإرادة عند كل أب وأم أن يربوا أولادهم بنفس عزة وشموخ ( صـــــلاح الديــــن الأيـــــوبي ) رحمه الله .
.
.
المرجع : كتاب عظماء في طفولتهم - د. محمد المنسي قنديل .



السبت، 3 فبراير 2024

كيف يتزوج رسول الله عائشة وهي في سن 9 سنوات (الرد التاريخي).

 

(أدلة من القديم والحديث وإلى اليوم على زواج من بلغت الحيض)
ورغم أن إجاباتنا في هذه السلسلة لن تكون طويلة مثل الإجابة التي ستقرأونها الآن - إلا أننا فضلنا البدء بهذه الشبهة لانتشارها ولأنه يلعب عليها أيضا منكرو السنة البوابة الأكبر للإلحاد ولذلك سيكون جزء ثاني في وقت قادم خاص بالرد على شبهاتهم عن الأحاديث الصحيحة التي تثبت هذا الزواج.
الإجابة :
إن مثل هذه الأسئلة والشبهات ناتجة عن تصورات خاطئة قياسًا على اختلافات زمانية ومكانية وخصوصًا بين الماضي والحاضر ، في حين أننا في الإسلام نعرف أن (الحُكم على الشيء : فرع عن تصوره) ، وهو ما يندرج تحت مغالطة العصرانية أو Presentism أو ما يُعرف في مجال اللسانيات والمصطلحات أيضًا بـ Etymological fallacy ، حيث تصب المعاني كلها في خطأ الأحكام المُسبقة وخطأ التحليل الناتج عن مُحاكمة أشياء ماضية بالوضع الحاضر أو المعاصر البعيد أو المختلف عنها.
فإذا أضفنا إلى ذلك حساسية العرب المسلمين اليوم مِن كل ما يُـثار لتشويه دينهم مِن الغرب – حتى لو كان عند الكفار أو الغربيين مثله ! – لعلمنا أن السؤال كله ناتج عن وضع الإسلام في خندق المتهم دومًا على الرغم مِن أن مثل هذا الاستنكار لمثل هذا الزواج المُبكر لم يظهر إلا مؤخرًا بعد 1400 عام مِن تاريخنا العظيم بل : ولم يستنكره كفار مكة أنفسهم زمن النبي ولا مِن البلاد الأخرى مِن حوله مِن روم أو أهل الكتاب مِن يهود ونصارى كما سنرى الآن !!
فإذا عدنا إلى السؤال الذي بين أيدينا نرى اعتماده في التأثير عاطفيًا على السامع أو القارئ الذي ينظر إلى ابنته أو أخته أو أي فتاة يعرفها مِن حوله في سن الست سنوات (هذا الكائن الرقيق الصغير الذي لم يبلغ بعد) ثم يبدأ في إسقاط التخيل لإمكانية أن يتزوج مِنها رجل بالغ في سن الثالثة والخمسين مثلا !! والصواب :
أن النبي أولا لم يدخل بأمنا عائشة ولم تنتقل مِن بيت أهلها إلى بيته إلا بعد ثلاث سنوات مِن زواجه بها – أي بعدما صارت في التاسعة – حيث تقول كما في صحيح مسلم :
" تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين ، وبنى بي (أي دخل بها) وأنا بنت تسع سنين " .
وذلك لسبب واحد فقط ووجيه وهو انتظار بلوغها !! في حين أنه لم يكن لينتظر كل ذلك لو كان شخصًا مريضًا بالفعل بـ (البيدوفيليا) Pedophilia أو ما يُعرف بشهوة التحرش أو الاعتداء الجنسي بالأطفال Child sexual abuse وحاشاه !! أو لم يكن ليتزوج قبلها أمنا سودة بعد موت خديجة رضي الله عنهما وهي في عمر 65 عام – وهو نفس عمر خديجة حين موتها - !! والسؤال الآن هو : هل عند المُعترضين أي دليل على أن أمنا عائشة في ذلك الوقت لم تكن تصلح للزواج في سن التاسعة ، وخصوصًا في هذا الزمان وفي هذه البيئة الصحراوية والحارة والتي لم يكن عجيبًا فيها أبدًا – ولا عيبًا مُستنكرًا - أن تتزوج بناتها فور البلوغ أو بمجرد البلوغ وخاصة مع غياب ما يشغلهن مِن تعليم ونحوه كما نرى في عصرنا الراهن ؟
إذن يمكننا هدم هذه الشبهة في خطوتين ، الأولى إذا علمنا أن ذلك الأمر كان منتشرًا في الماضي وفي كل العالم وليس في بلاد العرب ولا الإسلام فقط بل وإلى وقت قريب بل وإلى وقتنا الراهن !! والخطوة الثانية هي التدليل على مفهوم البلوغ علميًا لمَن لا يعرف ووقت ظهوره عند الفتيات .
فإذا نظرنا إلى التاريخ ، نرى خطأ هذا التصور لتجريم مثل هذا الزواج مِن 1400 عام !! لأنه وإلى وقت قريب – وفي دول وأماكن كثيرة مِن العالم ومِنها أوروبا وأمريكا أنفسهم – كانت مثل هذه الزيجات المُبكرة مُتعارفٌ عليها بل ومُثبتة في حق أميرات ومِن ملوك معروفين كذلك ! بل وحتى في القصص الشهير (كقصة روميو Romeo وجولييت Juliet) لشكسبير في القرن السادس عشر الميلادي والتي عُمر جولييت فيها 13 عامًا !!
#1 فإذا عدنا قليلا إلى الوراء وإلى القرن الثاني عشر الميلادي ومِن قلب أوروبا نفسها وتحديدًا في عام 1184م ، نقرأ عن زواج الإمبراطور البيزنطي (إسحق أنجيلوس الثاني) Issac Angelos II مِن إمبراطورة المجر (مارجريت المجر : ماريا) Margaret of Hungary : Maria المولودة في 1175م وهي في سن 9 سنوات !!
#2 فإذا تركنا أوروبا وتوجهنا إلى منطقة أقرب إلى أرض العرب ومِن نفس القرن الثاني عشر نجد الأميرة (ثيودورا كومني) Theodora Komnene والتي وُلدت في عام 1145م ، وقد تزوجت مِن الملك (بلدوين الثالث) Baldwin III حاكم القدس في سن 13 عام !!
#3 وفي 14 سبتمبر 1169م نجد زواجًا شهيرًا كذلك في الإمبراطورية البيزنطية مِن الملك (ألكسيس الثاني)Alexius II مِن إحدى رعاياه وهي (أجنيس) Agnes وهي في سن 9 سنوات ، وكان زواجًا رسميًا وطبيعيًا !!
#4 ولا ننسى أنه عند اليهود والنصارى أنفسهم نجد مريم عليها السلام – وكما في كتبهم – ترتبط في سن 12 عام بيوسف النجار وهو في سن الـ 90 !! ثم تلد المسيح عليه السلام وهي في سن 13 عام !!
#5 فإذا وجهنا بوصلة التاريخ إلى جزيرة العرب نفسها ، فإننا نقرأ في موسوعة قصة الحضارة لـ ويل ديورانت (الجزء 13– ص 13- الهيئة المصرية العامة للكتاب - وعلى الإنترنت صفحة 4443 من الرابط التالي :
" وكانت حياة المرأة العربية قبل أيام النبي تنتقل مِن حب الرجل لها حبًا يقترب مِن العبادة إلى الكدح طوال ما بقي مِن حياتها ، ولم تتغير هذه الحياة فيما بعد إلا قليلًا. وكان في وسع أبيها أن يئدها حين مولدها إذا رغب في هذا ، فإن لم يفعل فلا أقل مِن أن يحزن لمولدها ، ويواري وجهه خجلًا مِن الناس ، لأنه يحس لسبب ما أن جهوده قد ذهبت أدراج الرياح ، وكانت طفولتها الجذابة تستحوذ على قلبه بضع سنين ، ولكنها حين تبلغ السنة السابعة أو الثامنة مِن عمرها كانت تُزوج لأي شاب مِن شبان القبيلة يرضى والده أن يؤدي للعروس ثمنها (يريد مهرها) " !!
#6 ويقول الإمام الشافعي رحمه الله - وهو مِن أعلام القرن الثاني الهجري كما هو معروف - :
" رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرًا " !!!.. سير أعلام النبلاء 10/91 ، ومعلوم أن الجو في اليمن أشد حرارة مِن نجد والسعودية .
وقال أيضًا رحمه الله :
" رأيت بصنعاء جدة : ابنة إحدى وعشرين سنة حاضت (أي تلك الجَدة وهي) بنت تسع !! وولدت : ابنت عشر (أي وهي في سن العاشرة) !! وحاضت البنت : ابنة تسع !! وولدت : ابنة عشر " !! سنن البيهقي الكبرى 1/139 .
ونحن نعلم أن الغالب فيمَن تحيض مبكرًا في سن التاسعة وتتزوج : هو أنها تلد في سن الحادية عشر والثانية عشر مِن عمرها .
وقليل هي مَن تلد في التاسعة نفسها أو العاشرة حيث تكون قد بلغت سن الحيض في السابعة أو الثامنة مِن عمرها ، أو تلد قبل ذلك في حالات نادرة الحدوث وكما في رابط الويكيبديا التالي عن قائمة بأصغر الأمهات الموثقة ولادة في العالم List of youngest birth mothers والتي تبدأ مِن سن 5 سنوات و 7 أشهر في بيرو 14 مايو عام 1939م واسمها Lina Medina :
وروى البيهقي (1588) عن الإمام الشافعي أيضًا رحمه الله قوله :
" أعجل مَن سمعت به من النساء يحضن : نساءٌ بتهامة : يحضن لتسع سنين " !!
ويروي لنا ابن الجوزي رحمه الله قصة مشابهة لذلك عن ابن عقيل وابن عباد بن عباد المهلبي قال :
" أدركت فينا – يعني قومه المهالبة – امرأة صارت جدة : وهي بنت ثمان عشر سنة !! ولدت (أي تلك الجدة) لتسع سنين ابنة !! فولدت ابنتها : لتسع سنين ابنة !! فصارت هي جدة : وهي ابنة ثمان عشر سنة " !! تحقيق في أحاديث الخلافة 2/267 ..
وعلى ذلك ندرك (وبيقين) أن الأمر لم يكن مُستهجنا أبدًا في الماضي البعيد أن يعقد الرجل أو يخطب لابنته الصغيرة – حتى قبل أن تبلغ – رجلا كفؤًا مُناسبًا ، حتى إذا بلغت تزوجها ، حيث لم يكن يشغل الفتيات في الماضي ما يشغل الفتيات اليوم مِن تعليم ونحوه ، وإنما كانت تتشرب سريعًا حياتها الزوجية مِن محيطها ونصائح أقاربها وأمها ورحمها وأترابها . ومِن هنا يفيدنا جدًا أن نعلم أن أمنا عائشة وقبل أن يتزوجها النبي في سن 6 سنوات كانت مخطوبة بالفعل مِن قبله إلى جبير بن مطعم بن عدي !!
إذن : المسألة كانت تؤول طبيعيا في الماضي إلى ولي الأمر لاختيار الصالح لابنته في تزويجها أو خطبتها لأحد الأكفاء او الصالحين أو الأفاضل ولو مِن بعد ولادتها !! وهذا لم يكن خيالا أو ضربًا مِن الجنون بل سأحيلكم الآن إلى ما يقابله في العصر الحديث واليوم ! حيث يتم التفريق في دول العالم الغربي نفسه بين أن يكون الزواج بموافقة الأهل أو بغير موافقة الأهل .
#7 ففي كندا ومنذ قرن واحد فقط كان أقل سن للزواج بموافقة الأهل هو 11 عام !!
#8 وفي مصر وإلى قرن مضى كانت الفتيات يتزوجن في سن 11 و 12 عام ! والصبيان في سن 14 و 15 عام !! وكما يؤكده المسيو (دي شابرول) Chabrol de Voivic وهو كاثوليكي الديانة بعد زيارته لمصر في القرن السابع عشر حيث يقول وكما في الجزء الأول من كتاب (وصف مصر صـ 30) :
" لاينبغي أن ندهش لمثل هذه الزيجات التى تتم قبل الأوآن فى منطقة كهذه : يعمل فيها الطقس على سرعة نمو الجسم : كما يعمل على إثارة الشهوات منذ سن مبكرة " !! ولذلك فقبائل آسيوية وأفريقية وأمريكية كثيرة إلى اليوم لا زالت زيجاتها مبكرة جدًا ، وفي زمن النبي كان الشاب الصغير الذي لم يتخط 17 أو 18 مِن العمر يمكن أن يقود جيشا أو يُشارك في الحرب ، ومثله في كل مكان في العالم !!
وفي أسبانيا وحتى عام 1995م كان السن هو 12 عام !! وقد تم رفعه مِن بعدها إلى 13 عام !!
#9 وأما في أمريكا نفسها قبلة التقدم والتمدن في نظر الكثيرين اليوم والمناداة بحقوق المرأة والإناث إلخ ، فنقرأ في موضوع عن تاريخ الزواج في العالم الغربي : كيف أنه وإلى القرن الـ 19 (أي مِن 1800م إلى 1900م) كان أقل سن مسموح به لممارسة الجنس كان 10 سنوات فقط في معظم الولايات الأمريكية !! بل وفي بلدة مثل Delaware كان أقل سن لممارسة الجنس هو 7 سنوات فقط !! وفي بعض المراجع الأخرى أن ذلك السن استمر في تلك البلدة إلى 1973م !! وإليكم النص الأصلي مِن الفقرة العاشرة :
Throughout most of the 19th century, the minimum age of consent for sexual intercourse in most American states was 10 years. In Delaware it was only 7 years.
المصدر :
The History of Marriage as an Institution .by Larry R. Peterson, Ph.D. © 1997, Larry R. Peterson
الرابط :
#10 وأما اليوم : ففي ولاية (ماسوشيتس) أقل سن لزواج الأنثى بموافقة الأهل هو 12 عام !! وأما في ولاية (نيو هامبشير) كمثال فأقل سن هو 13 عام !! وأما في ولاية (ألاباما) و (تكساس) 14 عام !! وهكذا .. والصورة التالية مِن موضوع The Crazy-Quilt of Our Age of Consent Laws لكاتبه الدكتور Jonathan Dolhenty توضح ذلك :
(الصورة المرفقة)
فإذا تهاوت هذه الشبهة مِن ناحية التاريخ وأن النبي صلى الله علـيه وسلم لم يفعل شيئا مُستهجنا ، وأن أهل أمنا عائشة كانوا أدرى بها عند تزويجها بالنبي ودخوله عليها أو وطئه لها حين بلوغها ، فإنه لا يجوز بعد ذلك لأي أحد حصر صورتها الجسدية في شكل البنت الضعيفة الصغيرة قصيرة القامة المجبورة على زواج لا تريده كما يحلو تصويرها قلم الرسامين والمُغرضين ليتلاعبوا بعواطف القراء أو المشاهدين !!
وخصوصًا إذا عرفنا أن الإسلام كان الدين الوحيد الذي أقر للأنثى أو المرأة أن تقر خطبتها أو زواجها أو تفسخهما حين بلوغها وعدم رضاها باختيار والدها ، وأنه لها أن تلجأ إلى القاضي أو ولي الأمر في ذلك ، فعن أمنا عائشة نفسها رضي الله عنها أنها :
" سألته صلى الله عليه وسلم عن الجارية (أي الفتاة الصغيرة) ينكحها أهلها : أتـُستأمر أم لا ؟!! فقال : نعم تـُستأمر !! قالت : فإنها تستحي !! فقال : فذاك إذنها : إذا هي سكتت " !! رواه البخاري ومسلم ، وفي الحديث أيضًا :
" أن جارية بكرًا (وهي الفتاة البكر الصغيرة كما تقدم) أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة !! فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم " !! رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني ، وفي حديث آخر :
" أن رجلا زوج ابنة له وهي كارهة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوجني رجلا وأنا كارهة ، وقد خطبني ابن عم لي (أي وكأنها تختاره على مَن اختاره لها أبوها) ، فقال (أي النبي وقد فهم مغزاها وحياءها) : لا نكاح له (أي ذاك الذي أكرهك أبوك عليه) انكحي مَن شئت " !! رواه النسائي في سننه الكبرى ، ولا يتوقف الأمر على الفتاة البكر فقط ، بل والثيب التي سبق لها الزواج أيضًا ، فعن خنساء بنت خذام قالت :
" أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرد نكاحها " رواه البخاري وغيره !! فهذا هو الإسلام العظيم الذي جاء برفعة مكانة المرأة وجعل لها مِن نفسها أمرًا ورأيًا في حين كانت كالمتاع لا رأي لها في أغلب أمم الأرض وإلى وقت قريب في القرنين الماضيين في أوروبا وأمريكا !!
أيضًا يلفت نظرنا الإسلام كدين وحيد لم يُـقر وطء الأنثى بمجرد البلوغ فقط ، وإنما قرنه بالاستطاعة الجسدية للأنثى ، أي أنه حتى إذا بلغت الأنثى ولكنها كانت ذات جسد ضعيف لا يقوى على الوطء والاستمتاع بها كزوجة ، فإنه لا يحق لأبيها أو غيره تزويجها !! وقد نقل ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب النكاح - باب تزويج الصغار مِن الكبار - قول ابن بطال رحمه الله :
" يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعًا (أي عقد خطبتها عليه أو عقد زواجه منها) ولو كانت في المهد (أي الوعد بزواجها مِنه حسب المصلحة التي يراها ولي أمرها في ذلك كما وضحناه) ولكن لا يُمكّن منها حتى تصلح للوطء " .
وكل ذلك يعكس لنا تفرد شرع الله عز وجل في وضع الحدود اللازمة في هذه المسألة التي كانت منتشرة بين الشعوب في الماضي ، وأنه بريء مِن أية ممارسات تخالف ذلك باسم الإسلام – كأن يتم تزويج الصغيرة على وجه التجارة بها أو التكسب أو البيع أو الإضرار بها أو حتى بغير رضاها حين البلوغ أو تمكين وطئها وهي لا تتحمله إلخ - .
وعلى هذا تتبقى لنا شبهة الإمكانية الجنسية علميًا فنسأل : هل بنت 9 سنوات يمكن أن تكون بالغة جنسيًا أي لها قدرة على الجماع ؟
ونقرأ الإجابة عن ذلك في موقع طبي متخصص عن أقل فترة بلوغ (أو البلوغ المبكر) Puberty عند الفتيات والأولاد على الرابط التالي :
Precocious puberty refers to the appearance of physical and hormonal signs of pubertal development at an earlier age than is considered normal. For many years, puberty was considered precocious in girls younger than 8 years; however, recent studies indicate that signs of early puberty (breasts and pubic hair) are often present in girls (particularly black girls) aged 6-8 years. For boys, onset of puberty before age 9 years is considered precocious.
والمعنى بعد الترجمة :
البلوغ المبكر : يُشير إلى ظهور العلامات الجسدية والهرمونية في موعد يسبق وقت الظهور المعتاد ، ولسنوات عديدة كان البلوغ المبكر يرتبط
بالفتيات الأقل مِن 8 سنوات !! في حين ترى دراسة جديدة أن تحديده بسن 7 سنوات هو أدق في الفتيات ذوات البشرة البيضاء !! وبسن 6 سنوات
في الفتيات ذوات البشرة السوداء !! أما بالنسبة للأولاد ، فأي بلوغ قبل 9 سنوات يُعتبر بلوغ مبكر...
وبمحاولة تطبيق مواصفات (التعدي الجنسي على الأطفال) في حال زواج النبي بأمنا عائشة رضي الله عنها ، ندرك أن مجرد بلوغها في هذا السن وفي تلك البيئة المتعارف لها الزواج فيها ومعناه يهدم ذلك التصور والتخيل في حالتنا تلك !! بل ولم نقرأ لها حديثا واحدًا تشتكي فيه مِن زواجها مِنه ولا بعد موته ولا نقله عنها حتى أحد الكفار أو المستشرقين !!
بل كانت هي أحب زوجاته إليه ، وكان هو مِن أحنى وأشفق الأزواج وألطفهم عليها كما تنضح بذلك الأحاديث الكثيرة التي روتها بنفسها عنه وتبين مدى حبها له رضي الله عنها ، ولا يقدح في ذلك الزواج المُبكر الأحاديث التي تروي لعب أمنا عائشة بالأرجوحة أو بألعاب الفتيات ونحوه ، لأنه – وإلى اليوم وفي كل زمان – ونحن نرى الفتيات الكبيرات بل والشابات أيضًا وهن يستمتعن بنفس هذه الألعاب !! ولزيارة واحدة إلى أقرب متنزه أو حديقة عامة تشهد على ذلك ، حيث تعتبره الأنثى نوعًا مِن التدليل والحنين إلى الماضي للترفيه والترويح عن النفس ، وكذلك كان مِن عادة الفتيات في ذلك الزمان – وخصوصًا المتزوجات مُبكرًا – أن يلعبن بالعرائس ونحوه تدريبًا على تقلد دور الأمومة في الحياة التي لم تكن تعرف الأنثى فيها دورًا أسريًا غيره في هذا السن الصغير.
وبذلك نكون قد أجبنا على السؤال وأسقطنا الشبهة ، ولكن يتبقى لنا جزءًا أخيرًا يتعلق بولادة هذه الشبهة في العصر الحديث – والحقيقة منذ سنوات فقط قريبة لانتشاره في كل ربوع العالم بغير نكير كما رأينا – ومحاولة أصحابه تدعيم استنكارهم لوقوعه بالتشكيك في نصوص ومعاني القرآن والأحاديث والتلاعب والخداع والتدليس على العامة تحت ذريعة دفع هذه الشبهة عن الإسلام !!