الاثنين، 4 مايو 2015

مسلمو قبرص في مواجهة أوروبا النصرانية ..... أ. محسن عبد المقصود

يعيش المسلمون القبارصة الذين سكنوا هذه الجزيرة منذ قرون، والذين يقدرون الآن بـ 40% من عدد سكان الجزيرة البالغ مليون نسمة، في صراع لم يهدأ منذ أن دخل الإسلام هذه الجزيرة الصغيرة ذات الموقع المتميز.
فقد وصل الإسلام إلى قبرص في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 28 هـ عندما استطاع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فتح الجزيرة بأسطول بحري خرج من الشام ومصر وصالح معاوية أهلها على جزية قدرها 7200 دينار.
ولما حدثت الفتنة ابن سبأ اليهودي وانشغل المسلمون بها امتنع أهل قبرص عن دفع الجزية فغزاهم معاوية سنة 34هـ وسيطر المجاهدون المسلمون على الجزيرة كلها، وأسكن معاوية اثنا عشر ألفاً من جند المسلمين بالجزيرة، وانتقل إليها الكثير من أهل بعلبك ونشروا فيها الإسلام وبنوا المساجد وتناسلوا وتكاثروا بالبلاد .
في سنة 75 هـ دخل البيزنطيون الجزيرة واحتلوها مستغلين الخلاف الواقع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان.
عندما اندلعت الحروب الصليبية استولى ريتشارد قلب الأسد ملك إنكلترا على قبرص سنة 587 هـ، لكن المماليك تمكنوا من الاستيلاء على الجزيرة سنة 830هـ وأرغموا أهلها على دفع الجزية، ولكن سرعان ما جاء البنادقة الإيطاليون واستولوا على الجزيرة سنة 895هـ .
فتح العثمانيون الجزيرة سنة 979 هـ وعملوا على توطيد دعائم الإسلام بها وأسكنوا فيها الكثير من المسلمين حتى صار عدد المسلمين ثلاثة أضعاف النصارى وهكذا غدت الجزيرة بلدا إسلامياً خالصاً وجزءاً من أمة الإسلام.
أكره رئيس وزراء إنجلترا "دزرائيلي" اليهودي سلطان العثمانيين على قبول معاهدة دفاع مشترك سنة 1296هـ تكون قبرص بموجبها تحت الحماية الإنجليزية نظير 92800 جنيه إسترليني.
عملت إنجلترا بجانب خلخلة التركيبة السكانية وإضعاف قوة المسلمين إلى نشر الفساد والانحلال داخل الجزيرة، وعهدوا إلى اليهود بالكثير من المناصب، والذين أنشؤوا بدورهم مراكز تجارية كبيرة بالبلد وجعلوها مقراً لعصابات الصهاينة وعندما قامت دولة اليهود الخبيثة كانت قبرص من أوائل من اعترف بها.
هاجر كثير من اليونانيين إلى قبرص واستوطنوا بها حتى صاروا أغلبية وغلب الجنس اليوناني على الجنس القبرصي لذلك فلقد رأت اليونان أن لها حقاً بقبرص ويجب الاتحاد فيما بينهما وتأسست سنة 1343هـ حركة "أنيوسيس" وتعنى الاتحاد مع اليونان وانضم لتلك الحركة كل القساوسة بالجزيرة وقامت تلك الحركة الصليبية المنشأ والهدف بارتكاب مجازر بشعة سنة 1349هـ راح ضحيتها المئات من المسلمين .
جذور الصراع
نص الدستور التأسيسي القبرصي (1960م) على:
- أن تكون قبرص جمهورية مستقلة ذات سيادة, وتتكون من جماعتين متساويتين في الحقوق والواجبات, إحداهما قبرصية يونانية والأخرى قبرصية تركية.
- إنشاء محاكم منفصلة لكل طائفة, وأخرى مشتركة.
- يكون لكل طرف حق الفيتو على النواحي التشريعية.
- تقسم مقاعد البرلمان القبرصي على أساس 35 لليونانيين و15 للأتراك والمناصب الوزارية بنسبة 7 : 3 لليونانيين والأتراك على التوالي, أما القوات المسلحة فتقسم بنسبة 60% لليونانيين و40% للأتراك.
كما ضمن الدستور في نصوصه (اتفاق الضمان) الموقع بين بريطانيا وتركيا واليونان سنة 1960م، والذي يمنح تركيا حق التدخل لحماية القبارصة الأتراك في حالة تعرضهم للاعتداء من جانب القبارصة اليونانيين, شريطة أن تدعو تركيا الطرفين الضامنين الآخرين للتدخل جماعيًا, فإذا رفضا يكون لها حق التدخل المنفرد. وينطبق نفس الشرط على اليونان بالنسبة للقبارصة اليونانيين. إضافة إلى ذلك يمنع اتفاق الضمان قبرص من الانضمام إلى أية منظمة دولية لا تتمتع فيها بريطانيا وتركيا واليونان بذات الوضع.
وفي نوفمبر 1963م، وعقب إعلان القس مكاريوس نيته إدخال تعديلات على الدستور تتعلق بإلغاء حق النقض الذي يتمتع به كل من رئيس الدولة ونائبه في شؤون الأمن والدفاع والسياسة الخارجية, اندلعت أعمال عنف بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك حيث اعتبر القبارصة الأتراك هدف تلك التعديلات الحد من سلطاتهم.
تدهورت الأوضاع بين الجماعتين وانتشرت الاشتباكات في سائر أنحاء قبرص. ومن ثم بدأت المساعي المختلفة لتهدئة الأمور, ابتداء بمؤتمر لندن 1964م، مرورًا بقرار مجلس الأمن رقم 186/1964 بإرسال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى قبرص, ثم الوساطة الأميركية عن طريق وزير الخارجية سايروس فانس, ولكن الأمور استمرت في التأزم.
انقلاب يوناني وتدخل تركي
وفي 15 يوليو 1974م وقع انقلاب عسكري مدعوم من النظام العسكري الحاكم في أثينا، في ذلك الوقت، وتولى الرئاسة نيكولاس سامبسون المعروف بعدائه للأتراك وميله لإقامة وحدة قبرصية يونانية. لم يتأخر الرد التركي كثيرًا حيث قرر بولاند أجاويد - رئيس الوزراء التركي آنذاك - إرسال قوات تركية للجزيرة بهدف حماية القبارصة الأتراك, والتي أرسلت يوم 20 يوليو من العام نفسه في إطار ما سمي عملية أطيلة. وبعد ثلاثة أيام وبالتحديد يوم 23 يوليو تم إسقاط النظام العسكري في أثينا, وانعكس هذا على قبرص بوضع حد للانقلاب العسكري فيها.
اجتمعت كل من بريطانيا واليونان وتركيا في جنيف في الفترة من24 إلى 30 يوليو وأنشؤوا منطقة أمنية عازلة تحت سيطرة قوات الأمم المتحدة, واعترفوا بوجود إدارتين مستقلتين في الجزيرة, وفي أغسطس قام الجيش التركي باحتلال الجزء الشمالي من الجزيرة (38% من مساحة الجزيرة) ونتيجة لذلك تبنى مجلس الأمن مجموعة من القرارات التي قضت بتوسيع صلاحيات قوات الأمم المتحدة في الجزيرة لتشرف على وقف إطلاق النار الذي أعلن يوم 14 أغسطس 1974م، وعلى المنطقة العازلة بين قوات الطرفين.
ضعف يوناني وقوة تركية
أصبح الطرف اليوناني في موقف ضعيف في حين أن الطرف التركي الذي كان يتخذ موقفًا سلبيًا ودفاعيًا غدا في موقع قوة وازداد تصلبه وقلت رغبته في المفاوضات, رغم اللقاءات التي تمت بين (دنكتاش) زعيم القبارصة الأتراك وبين الرئيس القبرصي بالوكالة (كلافكوس كليريدس), ورغم الحظر الأمريكي على بيع الأسلحة لتركيا, وقرار مجلس الأمن رقم 365 الصادر عام 1974م المطالب باحترام سيادة واستقلال الجمهورية وسحب القوات الأجنبية، فقد تم إعلان قيام الدولة القبرصية التركية الاتحادية في 13 فبراير 1975م.
وفي نهاية عام 1976م تطور الوضع نسبيًا إثر اتفاق وزيري خارجية تركيا واليونان على استئناف المفاوضات على قدم المساواة ودون شروط مسبقة، وأعقب هذا الاتفاق لقاءان بين الرئيس «مكاريوس» و«دنكتاش» الأول 27 يناير 1977م والثاني في 12 فبرار 1977م بحضور الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم, خصص لتحديد المبادئ التي ستستند إليها المفاوضات اللاحقة. وقد جرى الاتفاق خلال هذين اللقاءين على النقاط التالية:
ـ إنشاء جمهورية اتحادية مستقلة غير منحازة.
ـ تشكيل حكومة مركزية تستطيع تأمين وصيانة وحدة الجزيرة.
ـ تقاسم أراضي البلاد إداريًا بحسب عدة معايير (إنتاجية الأرض, أهميتها الاقتصادية, الملكية).
ـ وأخيرًا المحافظة على حرية التنقل والإقامة وحق الملكية في كل المناطق.
وفي 18 و19 مايو 1979م التقى الرئيس القبرصي اليوناني «كبريانو» بـ«دنكتاش» بحضور فالدهايم, وقد تم التوصل إلى اتفاق من عشر نقاط تحدد الخطوط الأساسية للمفاوضات القادمة بين الطرفين مع إعطاء الأولوية لمسألة إعادة توطين اللاجئين والمسائل الدستورية ومسألة الأراضي.
غير أن المفاوضات توقفت في بدايتها نتيجة الخلاف على مبدأ دولة ذات منطقتين المقترح من الجانب التركي, ثم عادت لتستأنف وتتوقف من جديد في يونيو وأغسطس من عام 1980م.
وفي 15 نوفمبر 1983م أعلن قيام الجمهورية التركية لشمال قبرص التي لم تحصل على اعتراف دولي حيث لم تعترف بها إلا تركيا. فقد أدانها قرار مجلس الأمن رقم 541 الصادر في 18 نوفمبر وطالب بإلغائها, كما دعا الدول الأعضاء إلى مقاطعتها. وقد اتخذت الموقف نفسه دول الكومنولث ودول السوق الأوربية المشتركة, وقد أكد مجلس الأمن بقراره رقم 550 مجددًا رفضه لهذا الكيان.
خطة الأمم المتحدة للحل
في 11 نوفمبر 2002م قدّم الأمين العام للأطراف القبرصية والأطراف الضامنة خطته لحل الأزمة، التي استغرق إعدادها عامين وشارك في وضعها دبلوماسيون بارزون وبإشراف الأمين العام، وقد جاوزت صفحاتها الـ9000 صفحة، وطالبهم بالرد خلال أسبوع. وفي 18 نوفمبر أبلغه «كليريدس» استعداده للتفاوض حول مشروعه إلا أنه بحاجة إلى بعض التوضيحات بينما طلب «دنكتاش» المزيد من الوقت, وفي 27 نوفمبر أبلغ «دنكتاش» الأمين العام استعداده لمناقشة مقترحاته, إلا أنه أشار إلى وجود عدة نقاط هامة تقلقه. وبعد مشاورات قام بها مستشار الأمين العام وضع الأمين العام نسخة ثانية من مشروعه بهدف التوصل لحل وسط بين مطالب الطرفين.
وقد بادرت الأمم المتحدة إلى إجراء استفتاء على خطة الأمين العام في شطري الجزيرة يوم 24/4/2004م قبيل انضمام الجمهورية القبرصية إلى الاتحاد الأوروبي أول مايو من العام نفسه. علها تحقق اختراقًا في القضية باستثمار أجندة الاتحاد الأوروبي بشأن انضمام ليس الجمهورية القبرصية وحسب بل وانضمام تركيا ذاتها إلى الاتحاد.
غير إن النتيجة التي تمخض عنها الاستفتاء، حيث رفض القبارصة اليونانيون الخطة بنسبة عالية (75%) وقبلها القبارصة الأتراك وبنسبة عالية أيضًا (66%)، قد عقد الوضع، ذلك أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي قد اعتبرا الاستفتاء الخطة الأخيرة من جهة، وأن الاتحاد الأوروبي قد وضع أمام معضلة كبيرة: التعاطي مع الحدود التي تمزق دولة ذات سيادة ضمن الاتحاد، ومتاخمة لدولة غير معترف بها من قبل الاتحاد، مع أخذ تأييد القبارصة الأتراك للخطة بعين الاعتبار وضرورة تقديم تعويض مناسب لهم، مثل رفع الحظر التجاري عن جمهورية شمال قبرص التركية أو حتى الاعتراف بها من جهة ثانية.
أسباب تعقد المشكلة القبرصية
تعقيدات المشكلة القبرصية تنبع من أن مساحة الجزيرة تبلغ 9250 كم2, وتقع على بعد 65 كم جنوب ساحل هضبة الأناضول في تركيا وهذا جعل انضمام الجزيرة إلى اليونان أو انفراد اليونان بالسيطرة عليها يعني استراتيجيًا انكشاف الساحل والهضبة التركية, بل وإمكانية توجيه ضربات صاروخية إلى منطقة خليج اسكندرونة الواقعة تحت السيادة التركية والتي يشكل ميناؤها بؤرة تصدير بترولية ضخمة.
كذلك فإن الجزيرة تقع على بعد يزيد قليلاً عن مائة كم عن ساحل سورية, وهي بذلك تقع داخل النطاق الجيو- ستراتيجي لكل من سورية ولبنان وإسرائيل، وهذا حولها إلى ساحة خلفية للصراع العربي الإسرائيلي حيث شهدت الجزيرة مواجهات دامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر عمليات اغتيال متبادلة. لذا، ولهذه المعطيات الجيو- ستراتيجية، فقد اعتبرها الساسة البريطانيون مفتاح السيطرة الجوية على الشرق الأوسط، إذ تعتبر حاملة طائرات عملاقة راسية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهذا دفع بريطانيا، بعد انسحابها من الجزيرة عام 1960م إلى الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين لها في شرق وجنوب الجزيرة هما قاعدتا «ديكليا» و«أكيروتيري»، وقاعدة الجنوب بها محطة تنصت متطورة.
انعكست أهمية الجزيرة الإستراتيجية على مواقف الدول الفاعلة في المسرح الدولي حيث شكل الموقف من المشكلة القبرصية نقطة خلاف نادرة بين بريطانيا والولايات المتحدة، فبريطانيا مع إضفاء الطابع اليوناني البحت على الجزيرة، بينما تؤيد الولايات المتحدة حليفتها الإستراتيجية تركيا. ذلك لأن الاستراتيجيين الأميركيين ينظرون إلى المشكلة نظرة عسكرية بحتة. لذا تبنت واشنطن الحل الكونفدرالي الذي يضمن للقبارصة الأتراك كامل حقوقهم، ويضمن وجود حامية تركية في الجزيرة لقطع الطريق على التغلغل الروسي في الجزيرة بالاستفادة من الرابطة الطائفية مع القبارصة اليونانيين الأرثوذكس، إذ من المعروف وجود روابط وثيقة بين الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والقبرصية والروسية.
المصدر: موقع لواء الشريعة
 
أ. محسن عبد المقصود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق